وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ "، وَالسَّرَخْسِيُّ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، وَقَالَ: إنَّمَا يَعْنِي بِهِ إذَا حَمَلَ النَّاسُ عَنْهُ الْعِلْمَ، وَجَبَ قَبُولُ مُرْسَلِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ ابْنُ أَبَانَ بِحَمْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبُولَهُمْ مِنْهُ، لَا عَلَى السَّمَاعِ. قَالَ: وَمَنْ حَمَلَ النَّاسُ عَنْهُ الْحَدِيثَ الْمُسْنَدَ، وَلَمْ يَحْمِلُوا عَنْهُ الْمُرْسَلَ، فَمُرْسَلُهُ مَوْقُوفٌ. اهـ.
وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا، لَنَا أَنَّهُ لَوْ قُبِلَ الْحَدِيثُ بِلَا إسْنَادٍ لَفَسَدَ الدِّينُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ لَوْلَا الْأَسَانِيدُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ؛ وَلِأَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يُرْسِلُ عَمَّنْ هُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ وَمَجْرُوحٌ عِنْدَ غَيْرِهِ. فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَسْمِ. أَلَا تَرَى أَنَّ التَّعْدِيلَ لِلْحَاكِمِ لَا إلَى غَيْرِهِ. فَكُلُّ الْعَدَالَةِ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا عِنْدَ الْمَرْوِيِّ لَهُ، لَا عَلَى مَا عِنْدَ الرَّاوِي؛ لِأَنَّ مَذَاهِبَ النَّاسِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، مَا الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ إلَّا قَالَ: حَدَّثَنِي، وَمَا رَأَيْت أَحَدًا أَصْدَقَ مِنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَالْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَكَانَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الضُّعَفَاءِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ شُهُودِ الْفَرْعِ مِنْ الْمَجَاهِيلِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنُوا أَسَامِيَهُمْ، فَيَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: الشَّهَادَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ؟ قُلْنَا: فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْعَدَالَةِ سَوَاءٌ. وَأَمَّا كَلَامُ الْمُحَدِّثِينَ، فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ إذَا كَانَ مُرْسِلُهُ غَيْرَ مُحْتَرِزٍ، يُرْسِلُ عَنْ غَيْرِ الثِّقَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute