فِي كِتَابِ التَّقْرِيبِ " أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ بِالِاسْتِحْبَابِ قَسِيمَ الْوُجُوبِ. قَالَ: فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ عِنْدَ تِلْكَ الشُّرُوطِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ. انْتَهَى. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالِاسْتِحْبَابِ أَنَّ الْحُجَّةَ فِيهَا ضَعِيفَةٌ، وَلَيْسَتْ بِحُجَّةِ الْمُتَّصِلِ، فَإِذَا انْتَهَضَتْ الْحُجَّةُ، وَجَبَ الْأَخْذُ لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا عَارَضَهُ مُتَّصِلٌ كَانَتْ التَّقْدِمَةُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ، إذْ لَيْسَتْ الْأَدِلَّةُ مَا يَكُونُ الْأَخْذُ بِهِ مُسْتَحَبًّا أَبَدًا، وَلَكِنَّ فِيهَا مَا يَتَفَاوَتُ، وَيَنْفَعُ ذَلِكَ عِنْدَ التَّعَارُضِ. وَقَالَ الرَّبِيعِيُّ فِي " الْمَدْخَلِ " قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَأَحْبَبْنَا أَنْ تُقْبَلَ مُرْسَلُهُ، أَرَادَ بِهِ: اخْتَرْنَا، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقَفَّالِ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ " فِي بَابِ اللُّقَطَةِ: إنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: أُحِبُّ وَأُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ، وَزَعَمَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ، إذَا لَمْ يُوجَدْ دَلَالَةٌ سِوَاهُ. وَقَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي الْكِفَايَةِ ": الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُرْسَلِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّابِعِينَ، وَإِنَّمَا رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ بِهِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالْمُرْسَلِ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً بِمُفْرَدِهِ.
التَّاسِعُ: أَنَّ الْمُرْسَلَ الْعَارِيَ مِنْ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ وَالشَّوَاهِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ. وَلِهَذَا قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي مَالًا وَعِيَالًا وَإِنَّ لِأَبِي مَالًا وَعِيَالًا، فَيُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِي فَيُطْعِمَ عِيَالَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ غَايَةٌ فِي الثِّقَةِ وَالْفَضْلِ، وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ، وَلَكِنْ لَا نَدْرِي عَمَّنْ قَبِلَ هَذَا الْحَدِيثَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute