قَالَ عَقِبَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَدِلَّةِ السُّنَّةِ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَلَدِنَا يَرْضَاهُ، وَحَمَلَ عَنْهُ إلَّا صَارَ إلَى قَوْلِهِمْ مِمَّا لَا سُنَّةَ فِيهِ. اهـ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِالْقِيَاسِ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا دَلِيلُ النَّقْلِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ أَكْثَرَ مِنْهُ الْأَئِمَّةُ. وَزَادَ الْغَزَالِيُّ ثَالِثًا، وَهُوَ طَرِيقُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ إذَا قَضَوْا بِقَضِيَّةٍ وَقَطَعُوا بِهَا، فَلَا يَكُونُ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ قَاطِعٍ، فَإِنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ تَثْبِيتَهُمْ قَاعِدَةَ الدِّينِ بِغَيْرِ قَطْعِيٍّ، وَإِلَّا لَزِمَ الْقَدْحُ فِيهِمْ، وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَحَكَى سُلَيْمٌ، وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَجْهًا ثَالِثًا، أَنَّ الْعَقْلَ وَالسَّمْعَ دَلَّا عَلَيْهِ.
وَفَرَّعَ عَلَيْهِ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْمُحِيطِ، وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ إجْمَاعَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، هَلْ هُوَ كَإِجْمَاعِ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ، فَإِنَّ إجْمَاعَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ دَلِيلَ الْإِجْمَاعِ سَمْعِيٌّ، وَالْعَقْلِيُّ مُؤَكِّدٌ لَهُ، وَهُوَ إحَالَةُ الْعَادَةِ خَطَأُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ فِي حُكْمٍ لَا يُثْبِتُهُ أَحَدٌ؛ لِمَوْقِعِ الْخَطَأِ فِيهِ، وَأَنَّ النُّصُوصَ شَهِدَتْ بِعِصْمَتِهِمْ، فَلَا يَقُولُونَ إلَّا حَقًّا، سَوَاءٌ اسْتَنَدُوا فِي قَوْلِهِمْ إلَى قَاطِعٍ أَوْ مَظْنُونٍ، وَطَرِيقَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَلِيلًا لِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ دَلِيلُ الدَّلِيلِ، لَكِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الدَّلِيلِ دَلَالَةٌ قَطْعِيَّةٌ عَادِيَّةٌ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا سَبَقَ عَنْ الْغَزَالِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute