وَمِمَّنْ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيَّ، وَمِنْ الْحَنَابِلَةِ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَاسْتَقْرَأَهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ: لَا يَشْهَدُ رَجُلٌ عِنْدِي لَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِعَدْلٍ، وَكَيْفَ أُجَوِّزُ حُكْمَهُ قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي الْجَهْمِيَّ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ، وَيَنْعَقِدُ عَلَى غَيْرِهِ، أَيْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُخَالَفَةُ مَنْ عَدَاهُ إلَى مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقَلِّدَهُ، حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَتَابَعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ: أَرَى حِكَايَتَهُ لِغَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَمَنَعَ مِنْ بَقَائِهِمَا عَلَى إطْلَاقِهِمَا؛ لِوُقُوعِ مَسْأَلَتَيْنِ فِي بَابَيْ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ، تَنْفِي ذَلِكَ.
إحْدَاهُمَا: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّقْلِيدِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، فَالْقَوْلُ هُنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ خَالَفَهُ مُعَارِضٌ لِذَلِكَ الِاتِّفَاقِ. وَثَانِيهِمَا: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ عُرِفَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ، وَأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مَنْ عُرِفَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا اسْتَحَالَ بَقَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى إطْلَاقِهِمَا، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ، يَعْنِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: فَيَنْعَقِدُ، يَعْنِي عَلَى غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ النِّزَاعُ لَفْظًا، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَأْوِيلُ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute