وَاخْتَلَفَ الْمَانِعُونَ فِي تَعْلِيلِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَوْثُقُ بِهِ لِفِسْقِهِ، فَرُبَّمَا أَخْبَرَ بِالْوِفَاقِ وَهُوَ مُخَالِفٌ أَوْ بِالْخِلَافِ وَهُوَ مُوَافِقٌ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ قَوْلِهِ سَقَطَ أَثَرُهُ، وَشَبَّهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِسُقُوطِ أَثَرِ قَوْلِ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَيٌّ؛ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَدَالَةَ رُكْنٌ فِي الِاجْتِهَادِ، فَإِذَا فَاتَتْ الْعَدَالَةُ فَاتَتْ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ، وَعَلَى الثَّانِي اقْتَصَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ ". وَفَرَّعُوا عَلَيْهَا مَا إذَا أَدَّى الْفَاسِقَ اجْتِهَادُهُ إلَى حُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ، هَلْ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ مَنْ عَلِمَ صِدْقَهُ فِي فَتْوَاهُ بِقَرَائِنَ؟ . وَحَكَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْفَاسِقَ يَدْخُلُ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ وَجْهٍ، وَيَخْرُجُ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ سُئِلَ عَنْ دَلِيلِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَحْمِلَهُ فِسْقُهُ عَلَى اعْتِقَادِ شَرْعٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهَذَا التَّقْسِيمُ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْ مَأْخَذِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَلْيُعَوَّلْ عَلَيْهِ. وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ سَوَاءٌ كَانَ مُدَرِّسًا مَشْهُورًا أَوْ خَامِلًا مَسْتُورًا، وَسَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَمِينًا أَوْ فَاسِقًا مُتَهَتِّكًا، يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالْمَسْتُورُ كَالْمَشْهُورِ. قَالَ: وَالْأَحْسَنُ هُوَ الْأَوَّلُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَأَمَّا الْفِسْقُ بِتَأْوِيلٍ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ اعْتِبَارِ مَنْ يَعْتَقِدُ فِي الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي اعْتِقَادِ بِدْعَةٍ لَا تُؤَدِّي إلَى التَّكْفِيرِ، فَإِنْ أَدَّتْهُ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَلَا وِفَاقِهِ. وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْمُبْتَدِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute