الْإِجْمَاعُ أَنْ يُتَّبَعَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَهُوَ بَعْدُ فِي التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ، لَكِنَّهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى سَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ. فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَجْرَى لَهُ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالثَّانِي، وَحَمَلَ الْأَوَّلَ عَلَى آحَادِ التَّابِعِينَ، لَا إجْمَاعِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا أَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى شَيْءٍ سَلَّمْنَاهُ، وَإِذَا أَجْمَعَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِدَاوُدَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى نَفْسَهُ مِنْ التَّابِعِينَ، فَقَدْ رَأَى أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقِيلَ: أَدْرَكَ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ، وَلَنَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَصْلٍ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْكُلِّ، وَبِالشَّهَادَةِ بِالْعِصْمَةِ، وَهُوَ عَامٌّ، فَتَخْصِيصُهُ تَحَكُّمٌ، وَهُوَ كَالْقَائِلِ لَا حُجَّةَ إلَّا فِي قِيَاسِ الصَّحَابَةِ بِدَلِيلِ {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١١٥] ، وَخَصَّ أَبُو الْحَسَنِ السُّهَيْلِيُّ فِي " أَدَبِ الْجَدَلِ " النَّقْلَ عَنْ دَاوُد بِمَا إذَا أَجْمَعُوا عَنْ نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ قَالَ: فَأَمَّا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى حُكْمٍ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقَدْ سَبَقَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: ذَهَبَ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ تَوْقِيفٍ، وَالصَّحَابَةُ هُمْ الَّذِينَ شَهِدُوا التَّوْقِيفَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا يَقُولُونَ فِي إجْمَاعِ مَنْ بَعْدَهُمْ. أَيَجُوزُ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خَطَأٍ؟ قُلْنَا: هَذَا لَا يَجُوزُ لِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute