فِي كِتَابِ " فَهْمِ السُّنَنِ ": قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْمَدِينَةِ ظَاهِرًا مَعْمُولًا بِهِ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ خِلَافَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ. اهـ. وَنَقَلَ عَنْهُ الصَّيْرَفِيُّ فِي الْأَعْلَامِ " وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى " أَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا هُوَ إجْمَاعُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَهُوَ بَعِيدٌ. وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فِي كِتَابِ " الرَّدِّ عَلَى الْجُرْجَانِيِّ " أَنَّهُ أَرَادَ الْفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ وَحْدَهُمْ، وَقَالَ: إنَّهُمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَسْأَلَةٍ انْعَقَدَ بِهِمْ الْإِجْمَاعُ، وَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِمْ مُخَالَفَتُهُمْ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْأَوَّلُ. لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي " الْمُوَطَّأِ " فِي بَابِ الْعَيْبِ فِي الرَّقِيقِ نَقَلَ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْعَيْبِ أَصْلًا، عَلِمَهُ أَوْ جَهِلَهُ. ثُمَّ خَالَفَهُمْ، فَلَوْ كَانَ يَرَى أَنَّ إجْمَاعَهُمْ حُجَّةٌ لَمْ تَسَعْ مُخَالَفَتُهُ.
وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فَقَالَ الْبَاجِيُّ: إنَّمَا أَرَادَ فِيمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ، كَالصَّاعِ وَالْمُدِّ وَالْأَذَانِ، وَالْإِمَامَةِ، وَعَدَمِ الزَّكَوَاتِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ مِمَّا تَقْضِي الْعَادَةُ بِأَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ لَعُلِمَ، فَأَمَّا مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ فَهُمْ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " عَنْ شَيْخِهِ الْأَبْهَرِيُّ. وَقِيلَ: يُرَجَّحُ نَقْلُهُمْ عَلَى نَقْلِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى هَذَا فِي الْقَدِيمِ، وَرَجَّحَ رِوَايَةَ أَهْلِ الدِّينِ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute