وَفِيمَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. وَلَا فَرْقَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ، إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى عِصْمَةِ بَعْضِ الْأُمَّةِ. نَعَمْ، مَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ إذَا عُلِمَ اتِّصَالُهُ، وَعَدَمُ تَغَيُّرِهِ، وَاقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ، وَلَوْ بِالتَّقْرِيرِ عَلَيْهِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ قَوِيٌّ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ عَادِيٍّ، قَالَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: نَقْلِيٌّ، وَاسْتِدْلَالِيٌّ. فَالْأَوَّلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: مِنْهُ نَقْلُ شَرْعٍ مُبْتَدَأٍ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. إمَّا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إقْرَارٍ. فَالْأَوَّلُ: كَنَقْلِهِمْ الصَّاعَ، وَالْمُدَّ وَالْأَذَانَ، وَالْإِقَامَةَ وَالْأَوْقَاتِ، وَالْأَحْبَاسِ وَنَحْوِهِ. وَالثَّانِي: نَقْلُهُمْ الْمُتَّصِلَ كَعُهْدَةِ الرَّقِيقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ: كَتَرْكِهِمْ أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُزْرَعُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ لَا يَأْخُذُونَهَا مِنْهَا. قَالَ: وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةٌ يَلْزَمُ عِنْدَنَا الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَتَرْكُ الْأَخْبَارِ وَالْمَقَايِيسِ لَهُ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِيهِ.
قَالَ: وَالثَّانِي: وَهُوَ إجْمَاعُهُمْ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ، وَلَا مُرَجَّحٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَأَبِي يَعْقُوبَ الرَّازِيَّ، وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ السَّمْعَانِيِّ، وَالطَّيَالِسِيِّ، وَأَبِي الْفَرَجِ، وَالْأَبْهَرِيُّ، وَأَنْكَرُوا كَوْنَهُ مَذْهَبًا لِمَالِكٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute