خِلَافُهُمْ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِالْعَمَلِ كَعِلْمِهِمْ لَوْ كَانَ مُسْتَفِيضًا.
قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ الْأَكْثَرِ عِنْدَهُ، وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ فِي قَوْلٍ: ادَّعَى مَالِكٌ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَبِيعَةُ: وَقَالَ قَوْمٌ: - وَهُمْ الْأَقَلُّ - مَا ادَّعَى مَالِكٌ أَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْبَلَدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا أَعْرِفُهُ، حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ، ثُمَّ إنَّا رَأَيْنَا مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعَمَلِ إنَّمَا عَلِمْنَا عَنْهُ بِخَبَرِ وَاحِدٍ، كَرِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ، وَابْنِ بُكَيْر، وَالسُّبْكِيِّ، وَابْنِ مُصْعَبٍ، وَابْنِ أَبِي إدْرِيسَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْعِلْمُ.
وَوَجَدْنَا فِي كِتَابِ الْمُوَطَّإِ هَذِهِ الْحِكَايَةَ، وَلَمْ نُشَاهِدْ الْعَمَلَ الَّذِي حَكَاهُ، وَوَجَدْنَا النَّاسَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيدِيُّ فِي " الْبَصَائِرِ ": سَمِعْت الْقَاضِيَ أَبَا حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيَّ يَقُولُ: لَيْسَ الِاعْتِمَادُ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَا رَآهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ تَكُنْ دُونَ الْمَدِينَةِ، وَقَدْ أَقَامَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهَا كَمَا أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ، وَمَنْ عَدَلَ عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا مَعَ قِيَامِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَسُكَّانُهَا الْغَايَةُ فِي حَمْلِ الشَّرِيعَةِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ، جَازَ أَنْ يَعْدِلَ خَصْمُهُ عَنْ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا بِحُجَّةٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ كَمُلَتْ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِينَ تَحَقَّقُوا النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحَفِظُوا عَنْهُ، وَابْتُلُوا بِالْحَوَادِثِ، فَاسْتَفْتَوْهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَحْكَامِ فَاسْتَقْضَوْهُ، وَتَخَوَّفُوا الْعَوَاقِبَ فَاسْتَظْهَرُوا بِهِ، ثُمَّ إنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ صَارَ إلَى اللَّهِ كَانُوا بَيْنَ مُقِيمٍ بِالْمَدِينَةِ، وَمُقِيمٍ بِمَكَّةَ، وَنَازِلٍ بَيْنَهُمَا، وَظَاهِرٍ عَنْهُمَا إلَى الْأَمْصَارِ الْبَعِيدَةِ، وَاسْتَقَرَّتْ الشَّرِيعَةُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الشَّائِعَةِ، وَالْقِيَاسِ الْمُنْتَزِعِ، وَالرَّأْيِ الْحَسَنِ، وَالْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ، فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute