قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي كِتَابِهِ هُنَا: إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَانَتْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ: يُصَارُ إلَى قَوْلِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: إنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَيُطْلَبُ دَلَالَةُ سِوَاهُمَا. انْتَهَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو حَازِمٍ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيَّ عَنْهُ.
وَقِيلَ: إجْمَاعُ الشَّيْخَيْنِ وَحْدَهُمَا حُجَّةٌ. لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ خَالَفَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فِي الْفَرَائِضِ انْفَرَدَ بِهَا، وَابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ، وَلَمْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِإِجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ. وَاحْتَجَّ أَبُو حَازِمٍ بِحَدِيثِ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» وَعُورِضَ بِحَدِيثِ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْأَوَّلَ: يَقْتَضِي أَنْ يُقْتَدَى بِالْخُلَفَاءِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: الْأَمْرُ لِلْمُقَلِّدِ بِالتَّخْيِيرِ، وَاعْتِبَارِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالصَّحَابَةِ، فَلَا يُعَارِضُهُ. سَلَّمْنَا الْمُعَارَضَةَ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ، وَالثَّانِيَ ضَعِيفٌ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ أَرَادُوا التَّرْجِيحَ لِقَوْلِهِمْ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ، لِفَضْلِ سَبْقِهِمْ وَتَعَدُّدِهِمْ، وَطُولِ صُحْبَتِهِمْ، وَعِنْدَنَا أَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يُطْلَبُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا الْعِلْمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute