للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللُّغَوِيِّ، لِأَنَّ قَوْلَهُمْ: " كُلُّ نَبِيذٍ مُسْكِرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " يُنْتَجُ: " كُلُّ نَبِيذٍ حَرَامٌ " لَيْسَ فِيهِ اعْتِبَارٌ بِحَالٍ وَإِنَّمَا النَّبِيذُ أَحَدُ الصُّوَرِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ الْعُمُومِ. قُلْت: بَلْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ، لِأَنَّهُ تَسْوِيَةُ حُكْمِ الْخَاصِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ، وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ لَفْظَ الْقِيَاسِ قَدْ يُتَجَوَّزُ بِإِطْلَاقِهِ فِي النَّظَرِ الْمَحْضِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ فَرْعٍ وَأَصْلٍ فَيَقُولُ الْمُفَكِّرُ: قِسْت الشَّيْءَ إذَا تَفَكَّرَ فِيهِ. وَنَازَعَهُ الْإِبْيَارِيُّ. وَلَا مَعْنَى لِنِزَاعِهِ، لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهِ وَهُوَ الِاعْتِبَارُ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي أَسَاسِ الْقِيَاسِ: وَأَمَّا نَحْوُ " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ " أُنْتِجَ " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " هَذَا لَا تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ قِيَاسًا، وَإِنَّمَا يُسَمِّيهِ ذَلِكَ الْمَنْطِقِيُّونَ، وَهُوَ ظُلْمٌ مِنْهُمْ عَلَى الِاسْمِ وَخَطَأٌ عَلَى الْوَضْعِ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ يَسْتَدْعِي مَقِيسًا وَمَقِيسًا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ حَمْلُ فَرْعٍ عَلَى أَصْلٍ بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا خَطَأٌ.

مَسْأَلَةٌ [لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكٌ]

وَقَالَ " الْغَزَالِيُّ " أَيْضًا: لَفْظُ الْقِيَاسِ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ تَارَةً عَلَى الرَّأْيِ الْمَحْضِ الْمُقَابِلِ لِلتَّوْقِيفِ حَتَّى يُقَالَ: الشَّرْعُ إمَّا تَوْقِيفٌ أَوْ قِيَاسٌ. وَهَذَا الَّذِي نُنْكِرُهُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِتَشْنِيعِ الظَّاهِرِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَيُطْلَقُ تَارَةً بِمُقَابِلِ التَّعَبُّدِ حَتَّى يُقَالَ: الشَّرْعُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَإِلَى تَعَبُّدٍ. كَرَمْيِ الْجِمَارِ. وَكِلَاهُمَا تَوْقِيفٌ، لَكِنْ يُسَمَّى مَا عُقِلَ مَعْنَاهُ قِيَاسًا لِمَا انْقَدَحَ فِيهِ مِنْ الْمَعْقُولِ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُ بِهِ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحَدُ نَوْعَيْ التَّوْقِيفِ وَلَيْسَ مُقَابِلًا لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>