عَدَمِهِمَا فَإِنَّ الْقِيَاسَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ حُكْمٍ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْقَاضِي وَأَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ، الْمَالِكِيَّانِ: الْقِيَاسُ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَمَا نَعْلَمُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مُسْلِمٍ يَرَى قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ قَبْلَهُمَا. وَحَكَى الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِ " الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ " عَنْ الْقَاضِي ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْوَفَاءِ بْنَ عَقِيلٍ فِي رِحْلَتِهِ إلَى الْعِرَاقِ يَقُولُ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّ ضَعِيفَ الْأَثَرِ خَيْرٌ مِنْ قَوِيِّ النَّظَرِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذِهِ وَهْلَةٌ مِنْ أَحْمَدَ لَا تَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ، فَإِنَّ ضَعِيفَ الْأَثَرِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا. وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَنَابِلَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ: هَذَا مَا حَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِهِ. وَمُرَادُهُ بِالضَّعِيفِ غَيْرُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ قِسْمِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ، بَلْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ وَضَعِيفٌ، وَالضَّعِيفُ مَا انْحَطَّ عَلَى دَرَجَةِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ حَسَنًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يُعْمَلُ بِهِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فِي صُوَرٍ:
مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ النَّصُّ عَامًّا وَالْقِيَاسُ خَاصًّا، وَقُلْنَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ: إنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ، فَالْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْقِيَاسِ ثَبَتَ بِنَصٍّ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ الْمُعَارِضِ وَقَطَعَ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى النَّصِّ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ النَّصُّ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَحَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute