وَاخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ، أَوْ هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالشَّبَهِ؟ وَقَالَ الْإِمَامُ: قِيَاسُ الدَّلَالَةِ هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا لَا يُنَاسِبُ بِنَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى جَامِعٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا مَعْنَى لِعَدِّهِ قِسْمًا عَلَى حِيَالِهِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ تَارَةً مُنْبِئًا عَنْ مَعْنًى، وَتَارَةً عَنْ شَبَهٍ، وَهُوَ فِي طَوْرَيْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ قِيَاسِ الْمَعْنَى أَوْ الشَّبَهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " مِعْيَارِهِ ": الْحَدُّ الْأَوْسَطُ إذَا كَانَ عِلَّةً لِلْأَكْبَرِ سَمَّاهُ الْفُقَهَاءُ " قِيَاسُ الْعِلَّةِ " وَسَمَّاهُ الْمَنْطِقِيُّونَ " بُرْهَانُ اللِّمَ " أَيْ: ذِكْرُ مَا يُجَابُ بِهِ عَنْ لِمَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً سَمَّاهُ الْفُقَهَاءُ " قِيَاسُ الدَّلَالَةِ " وَسَمَّاهُ الْمَنْطِقِيُّونَ " قِيَاسُ الْبُرْهَانِ " أَيْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ الْأَكْبَرَ مَوْجُودٌ فِي الْأَصْغَرِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ عِلَّةٍ. فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِك: هَذَا الْإِنْسَانُ شَبْعَانُ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْآنَ، وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ عَكْسُهُ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالنَّتِيجَةِ عَلَى الْمُنْتِجِ فَيَقُولُ شَبْعَانُ فَإِذًا هُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِالْأَكْلِ وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ: هَذِهِ عَيْنٌ نَجِسَةٌ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا، وَفِي قِيَاسِ الدَّلَالَةِ: هَذِهِ عَيْنٌ لَيْسَتْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا فَإِذًا هِيَ نَجِسَةٌ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ فِي الْفَارِقِ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا أَوْ اسْتِدْلَالًا، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَالثَّانِي قَوْلُ الْغَزَالِيِّ، لِأَنَّ الْقِيَاسَ يُقْصَدُ بِهِ التَّسْوِيَةُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ نَفْيَ الْفَارِقِ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ، وَقَدْ جَاءَ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الِاسْتِوَاءُ فِي الْعِلَّةِ. وَالْقِيَاسُ هُوَ الَّذِي يُبْنَى عَلَى الْعِلَّةِ ابْتِدَاءً وَهَذَا لَمْ يُبْنَ عَلَى الْعِلَّةِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِيهِ ضِمْنًا.
وَزَعَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ. وَنَازَعَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ؛ فَإِنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ يَقُولُ: اللَّفْظُ مُنْقَطِعُ الدَّلَالَةِ لُغَةً عَنْ الْفَرْعِ سَاكِتٌ عَنْهُ، وَالْحُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute