هُنَا، وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَلْزَمُهُ الْمَنْعُ مِنْ التَّرْكِ، وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ بِعَيْنِهِ يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ يَجُوزُ تَرْكُهُ، وَذَلِكَ يُنَافِي الْوُجُوبَ. وَحَلُّ الْإِشْكَالِ فِيهِمَا أَنْ يُقَالَ: كُلُّ فَرْدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْرَادِ أَعْنِي: مِنْ أَفْرَادِ الْوَقْتِ وَأَفْرَادِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَهُ جِهَةُ عُمُومٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَجِهَةُ خُصُوصٍ وَهُوَ مَا بِهِ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ، وَمُتَعَلَّقُ الْوُجُوبِ جِهَةُ الْعُمُومِ وَتِلْكَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا بِوَجْهٍ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يُتْرَكُ فِي الْمُوَسَّعِ بِإِخْلَاءِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَفِي الْمُخَيَّرِ تَرْكُ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ، فَلَمْ يُوجَدْ الْمُنَافِي لِلْوُجُوبِ، فَهُوَ جَائِزُ التَّرْكِ فِيمَا جَعَلْنَاهُ مُتَعَلَّقَ الْوُجُوبِ. أَمَّا جِهَةُ الْخُصُوصِ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِجَوَازِ تَرْكِهَا إلَى غَيْرِهَا وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا.
قَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: وَلِأَجْلِ هَذَا الْإِشْكَالِ اضْطَرَبَ الْمُحَصِّلُونَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ، فَقِيلَ: إنَّمَا يَعْصِي بِتَفْوِيتِهِ وَلَا تَفْوِيتَ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَالزَّمَانُ ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُنْسَبُ إلَى زَمَانٍ، كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى بَدَلٍ، وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهِ فِي الثَّانِي، فَقِيلَ لَهُمْ: الْعَزْمُ نَتِيجَةُ الِاعْتِقَادِ ضَرُورَةً لَا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، وَلَا يُتَخَيَّلُ ذَلِكَ مَعَ التَّمَكُّنِ. اهـ. إذَا عَرَفْت هَذَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إنَّ الْمُوَسَّعَ مَوْجُودٌ وَالْوَقْتُ جَمِيعُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute