تَخْصِيصِ حُكْمٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي بَابِ الْمَفْهُومِ.
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ: أَنْ لَا يَكُونَ مُؤَيِّدًا لِلْقِيَاسِ أَصْلٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِالْإِثْبَاتِ عَلَى أَصْلٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ، كَالْعِلَّةِ الَّتِي يَقِيسُ بِهَا الْعِرَاقِيُّونَ الْمَسَافَاتِ عَلَى الْمُزَارَعَةِ، وَالدَّعْوَى فِي الدَّمِ مَعَ اللَّوْثِ عَلَى الدَّعْوَى فِي الْأَمْوَالِ فِي الْبُدَاءَةِ فِيهِمَا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَقَالَ: هَذَا مَعْنَى مَا رَوَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُقَاسُ أَصْلٌ عَلَى أَصْلٍ.
الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: إنْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً أَيْ تُوجَدُ فِي غَيْرِ الْأَصْلِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا أَنْ لَا يَكُونَ التَّعْلِيلَ فِي الْمَحَلِّ وَلَا جُزْءًا مِنْهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَعْدِيَتُهَا بِخِلَافِ الْقَاصِرَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ. هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الرَّازِيَّ وَابْنِ الْحَاجِبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّلَ بِالْمَحَلِّ وَجُزْئِهِ فِيهِمَا. وَقِيلَ: يَمْتَنِعُ فِيهِمَا وَنُسِبَ لِلْأَكْثَرِينَ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يَجُوزُ بِجُزْءِ الْمَحَلِّ دُونَ الْمَحَلِّ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ مَذْهَبًا ثَالِثًا، كَمَا يُوهِمُ صَاحِبُ " الْبَدِيعِ " وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْجُزْءِ (الْعَامُّ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَمَّا الْجُزْءُ فَلَا يَمْتَنِعُ التَّعْلِيلُ بِهِ لِاحْتِمَالِ عُمُومِهِ لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ. وَهَذَا بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الْهِنْدِيُّ: الْحَقُّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فَإِنْ جَوَّزَ ذَلِكَ جَازَ هَذَا، سَوَاءٌ ثَبَتَ عِلِّيَّتُهُ بِنَصٍّ أَوْ بِغَيْرِهِ، إذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: حَرُمَتْ الرِّبَا فِي الْبُرِّ لِكَوْنِهِ بُرًّا أَوْ يُعَرِّفُهُ مُنَاسَبَةُ مَحَلِّ الْحُكْمِ لَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حِكْمَةٍ دَاعِيَةٍ لَهُ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنْ يُقَالَ: لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ قَابِلًا وَفَاعِلًا، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اسْتِحَالَةَ ذَلِكَ، وَاسْتِحَالَتُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إلَّا الْوَاحِدُ، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا وَإِنْ يُجَوَّزُ التَّعْلِيلُ بِالْقَاصِرَةِ، لَمْ يُجَوَّزْ هَذَا، لِأَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ وَجُزْأَهُ الْخَاصَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute