للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إذَا تَقَابَلَتْ الْعِلَّتَانِ وَإِحْدَاهُمَا أَكْثَرُ أَوْصَافًا مِنْ الْأُخْرَى فَالْقَلِيلَةُ أَوْلَى بِإِجْمَاعِ النُّظَّارِ وَأَهْلِ الْأُصُولِ (قَالَ) وَلَوْ جَازَ أَنْ يَزِيدَ الْوَاحِدُ وَصْفًا بَعْدَ اسْتِقَامَةِ الْعِلَّةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لَجَازَ أَنْ يَزِيدَ خَمْسَةَ أَوْصَافٍ وَعَشَرَةً، وَلَا فَائِدَةَ فِيهَا، لِأَنَّ الْعِلَّةَ كُلَّمَا زَادَتْ أَوْصَافُهَا ضَعُفَتْ، وَكُلَّمَا قَلَّتْ قَوِيَتْ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى كَثْرَةِ الْأَوْصَافِ لِبُعْدِ الْفَرْعِ عَنْهُ، وَقِلَّةُ الْأَوْصَافِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ وَمَنْ بَعُدَ، لَمَّا كَانَ ابْنُ الْعَمِّ لَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ إلَّا بِجَمَاعَةٍ تَوَسَّطُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ وَالْأَبِ اللَّذَيْنِ يُدْلِيَانِ إلَيْهِ بِأَنْفُسِهِمَا.

وَأَيْضًا لِأَنَّ الْأَوْصَافَ كُلَّمَا كَثُرَتْ فِي الْعِلَّةِ قَلَّتْ الْفُرُوعُ، أَلَا تَرَى مَنْ ضَمَّ وَصْفَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إلَى الطُّعْمِ أَسْقَطَ الرِّبَا عَنْ الْمَطْعُومَاتِ الَّتِي لَا تُكَالُ وَلَا تُوزَنُ، كَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالتِّينِ وَالْجَوْزِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ كَاجْتِمَاعِ الْمُتَعَدِّيَةِ مَعَ الْقَاصِرَةِ، ثُمَّ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى أَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ عَلَى الْجَدِيدِ مُرَكَّبَةً مِنْ الْجِنْسِ وَالطُّعْمِ (قَالَ) : وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بَسِيطَةٌ وَهِيَ الطُّعْمُ وَأَمَّا الْجِنْسُ فَحَمْلُ الْحُكْمِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَعَلُّقِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّ الشِّدَّةَ مَحَلٌّ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَلَيْسَتْ الْخَمْرُ عِلَّةً لِوُجُودِ الشِّدَّةِ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ. وَقَالَ الْهِنْدِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إنْكَارِ جَوَازِ كَوْنِ الْمَاهِيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ عِلَّةً، فَإِنَّ اسْتِقْرَارَ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ وُقُوعِهِ، فَإِنَّ كَوْنَ الْقِصَاصِ وَاجِبًا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ كَوْنُ الرِّبَا جَارِيًا فِي الْمَطْعُومِ بِجِنْسِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِذَلِكَ، بَلْ مَجْمُوعُ الْوَصْفَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ، وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى إطْلَاقِهَا بَلْ بِعُقُودٍ مُعْتَبَرَةٍ فِيهَا، وَاسْتِنْبَاطُ الْعِلَّةِ الْبَسِيطَةِ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَيَلْزَمُ الْمَصِيرُ إلَى كَوْنِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ تَعَبُّدِيَّةً، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، أَوْ تَجْوِيزُ اسْتِخْرَاجِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>