احْتِمَالُ النَّسْخِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى النَّصِّ، لِشَرَفِهِ.
وَهُوَ نَوْعَانِ: إجْمَاعٌ عَلَى عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، كَتَعْلِيلِ وِلَايَةِ الْمَالِ بِالصِّغَرِ. وَإِجْمَاعٌ عَلَى أَصْلِ التَّعْلِيلِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ، كَإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الرِّبَا فِي الْأَوْصَافِ الْأَرْبَعَةِ مُعَلِّلٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعِلَّةَ مَاذَا؟ . وَمِثَالُ الْقِيَاسِ فِيهِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبَوَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ فِي الْمِيرَاثِ، لِامْتِزَاجِ النَّسَبَيْنِ، فَقِيَاسٌ عَلَيْهِ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَغَيْرُهَا فَإِنَّهَا أَثَّرَتْ فِي الْإِرْثِ إجْمَاعًا وَلَكِنْ فِي غَيْرِهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ. وَمِنْ ذَلِكَ: إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الْغَصْبَ هُوَ عِلَّةُ ضَمَانِ الْأَمْوَالِ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ السَّارِقُ وَجَمِيعُ الْأَيْدِي الْغَاصِبَةِ، وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ مُوَلًّى عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ، فَقَاسَ عَلَيْهَا أَبُو حَنِيفَةَ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» وَقَالَ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا عِلَّةٌ تَعُودُ عَلَى أَصْلِهَا بِالتَّعْمِيمِ إلَّا هَذَا الْمِثَالُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. وَقَدْ سَبَقَ تَعَدِّي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْجَامِدِ الْقَالِعِ مِنْ النَّصِّ عَلَى الْأَحْجَارِ، نَظَرًا لِمَعْنَى الْإِزَالَةِ. وَمَثَّلَهُ غَيْرُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي السَّوَادِ، لَوْ قَسَمْته بَيْنَكُمْ لَصَارَتْ دُوَلًا بَيْنَ أَغْنِيَائِكُمْ. وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ. وَقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِي شَارِبِ الْخَمْرِ: إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِي. وَلَمْ يُخَالَفْ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْقِيَاسَ عَلَى أَصْلٍ مُجْمَعٍ عَلَى حُكْمِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى الصَّحَابَةِ، إذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُهُمْ لِنُطْقٍ خَاصٍّ، أَوْ لِمَعْنًى لَا يَتَعَدَّى. وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْجَوَازِ طَرْدًا أَوْجَبَ دَلِيلَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ إذَا ظَهَرَ التَّسَاوِي فِي الْمُنَاسَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَجَانَسْ الْحُكْمَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَعَلَّهُ شَطْرُ الْمَسَائِلِ الْقِيَاسِيَّةِ عِنْدَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute