أَفْعَالَ اللَّهِ بِالْغَرَضِ: إنَّهُ الْمُلَائِمُ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فِي الْعَادَاتِ، أَيْ مَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْعُقَلَاءُ لِفِعْلِهِ عَلَى مَجَارِي الْعَادَةِ تَحْصِيلَ مَقْصُودٍ مَخْصُوصٍ. وَقَالَ مَنْ يُعَلِّلُهَا: هُوَ مَا يَجْلِبُ لِلْإِنْسَانِ نَفْعًا، أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ ضُرًّا. وَهُوَ قَوْلُ الدَّبُوسِيِّ: مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ. قِيلَ: وَعَلَى هَذَا فَإِثْبَاتُهَا عَلَى الْخَصْمِ مُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقُولُ: عَقْلِيٌّ لَا يَتَلَقَّى هَذَا بِالْقَوْلِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ: هُوَ حُجَّةٌ لِلنَّاظِرِ لِأَنَّهُ لَا يُكَابِرُ نَفْسَهُ، دُونَ الْمُنَاظِرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ " - رَحِمَهُ اللَّهُ - ": وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ عَلَى الْجَاحِدِ بِتَبْيِينِ مَعْنَى الْمُنَاسَبَةِ عَلَى وَجْهٍ مَضْبُوطٍ، فَإِذَا أَبْدَاهُ الْمُعَلِّلُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى جَحْدِهِ. وَقِيلَ: إنَّ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ بُنِيَ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ، وَأَنَّ الْمُنَاسِبَ لَا يَنْخَرِمُ بِالْمُعَارِضِ. وَالتَّفْسِيرَ الثَّانِي بُنِيَ عَلَى مَنْعِ التَّخْصِيصِ وَيَأْخُذُ انْتِفَاءَ الْعَارِضِ فِي حَدِّ الْمُنَاسِبِ. وَقَالَ الْخِلَافِيُّونَ: الْمُنَاسَبَةُ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ الصَّالِحِ لِحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ. أَوْ: صَلَاحِيَّةُ الْفِعْلِ لِحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ: هُوَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ، أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ. فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ خَفِيًّا أَوْ ظَاهِرًا غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فَالْمُعْتَبَرُ مَا يُلَازِمُهُ، وَهُوَ الْمَظِنَّةُ، كَالْمَشَقَّةِ، فَإِنَّهَا لِلْمَقْصُودِ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا بِنَفْسِهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ، فَتُعْتَبَرُ بِمَا يُلَازِمُهُ وَهُوَ السَّفَرُ. قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute