وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَكَذَا قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ ": تَجِبُ عِنْدَنَا بِأَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا بِقَدْرِ فِعْلِهَا، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ، وَحَكَوْا مَعَهُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ قَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ إلْحَاقًا لِأَوَّلِ الْوَقْتِ بِآخِرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَخَطَّئُوهُ بِإِمْكَانِ الْقَضَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ دُونَ أَوَّلِهِ. وَالثَّانِي: لَا يَسْتَقِرُّ حَتَّى يُدْرِكَ مَعَ الْوَقْتِ أَدَاءَ جُزْءٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ.
قَالُوا: لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقَرَّ فَرْضُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْصُرَهَا إذَا سَافَرَ فِي آخِرِ وَقْتِهَا، لِاسْتِقْرَارِ فَرْضِهَا، فَلَمَّا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَقَرَّ بِآخِرِ الْوَقْتِ. قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْسَ جَوَازُ الْقَصْرِ آخِرَ الْوَقْتِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَسْتَقِرَّ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ مِنْ صِفَاتِ الْأَدَاءِ. قَالُوا: وَهَذَا مِنْ ابْنِ سُرَيْجٍ رُجُوعٌ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي وُجُوبِهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ. الثَّانِيَةُ: [فَائِدَةُ الْخِلَافِ] حَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِآخِرِ الْوَقْتِ يُجَوِّزُونَ فِعْلَهُ أَوَّلَهُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَسْمِيَتِهِ وَاجِبًا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي حُكْمَيْنِ مَقْصُودَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مِمَّا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، فَإِذَا مَضَى مِنْ أَوَّلِ حَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute