أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْتِيَ بِمُعَارِضٍ يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فَهُوَ قَادِحٌ بِلَا خِلَافٍ.
الثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِمُعَارِضٍ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ مَفْسَدَةٍ أَوْ فَوَاتِ مَصْلَحَةٍ تُسَاوِي الْمَصْلَحَةَ أَوْ تُرَجَّحُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ قِيلَ فِي مُعَارَضَةِ كَوْنِ الْوَطْءِ إذْلَالًا بِأَنَّ فِيهِ إمْتَاعًا وَمَدْفَعًا لِضَرَرِ الشَّبَقِ، فَهَلْ تَبْطُلُ الْمُنَاسَبَةُ؟ فِيهِ مَذْهَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، وَعُزِيَ لِلْأَكْثَرِينَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالصَّيْدَلَانِيُّ، لِأَنَّ دَفْعَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَلِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ، وَالْمَصْلَحَةَ إذَا عَارَضَهَا مَا يُسَاوِيهَا لَمْ تَعُدْ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ مَصْلَحَةً.
وَالثَّانِي: اخْتَارَهُ الرَّازِيَّ وَالْبَيْضَاوِيُّ - أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ فِي جَدَلِهِ، وَرُبَّمَا نَقَلَ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ. وَالْمَعْنَى مِنْ انْخِرَامِهَا وَبُطْلَانِهَا هُوَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ مُنَاسَبَتَهَا لِلْحُكْمِ إذْ ذَاكَ، فَلَا يَكُونُ لَهَا أَثَرٌ فِي اقْتِضَاءِ الْحُكْمِ، لَا أَنَّهُ يَلْزَمُ خُلُوُّ الْوَصْفِ عَنْ اسْتِلْزَامِ الْمَصْلَحَةِ وَذَهَابِهَا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُعَارِضًا. وَاعْلَمْ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي اخْتِلَالِ الْمُنَاسِبِ الْمَصْلَحِيِّ بِمُعَارِضَةِ مِثْلِهِ أَوْ أَرْجَحَ مِنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ، أَمَّا الْعَمَلُ بِهِ فَمَمْنُوعٌ مِمَّنْ أَثْبَتَ اخْتِلَالَ الْمُنَاسَبَةِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ تَصَرَّفَ فِي الْعَمَلِ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ بِالتَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا. وَالْوَاجِبُ هَاهُنَا امْتِنَاعُ الْعَمَلِ بِهِ لِلُزُومِ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ أَوْ الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ، فَيَسْتَوِي الْفَرِيقَانِ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ، لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَأْخَذِ، فَالْأَوَّلُ يَتْرُكُهُ لِاخْتِلَالِ مُنَاسَبَةِ الْوَصْفِ وَالْآخَرُ يَتْرُكُهُ لِمُعَارَضَةِ الْمُقَاوِمِ أَوْ الرَّاجِحِ، فَتَرْكُ الْعَمَلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ طَرِيقَهُ مُخْتَلِفٌ فِيهِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَدْ حَقَّقَ الْأَصْفَهَانِيُّ الْخِلَافَ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ ذَاتَ الْوَصْفِ مُغَايِرَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute