وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنَاقَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا نَقْضُ مُعَارَضَةٍ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ. وَأَيْضًا فَالنَّقْضُ لَا يَكُونُ بِالدَّلِيلِ، وَالْمُعَارَضَةُ بِالدَّلِيلِ عَلَى الدَّلِيلِ صَحِيحَةٌ (قَالَ) : وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى الِاسْتِفْهَامِ (قَالَ) وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا: فَأَثْبَتَهَا أَكْثَرُ أَهْلِ النَّظَرِ، وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُؤَالٍ صَحِيحٍ. وَاخْتَلَفَ مَثْبُوتُهَا فِي الثَّابِتِ مِنْهَا، فَقِيلَ: إنَّهَا تَصِحُّ مُعَارَضَةُ الدَّلَالَةِ بِالدَّلَالَةِ وَالْعِلَّةِ، وَلَا تَجُوزُ مُعَارَضَةُ الدَّعْوَى بِالدَّعْوَى. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي هَاشِمِ بْنِ الْجُبَّائِيُّ، وَحَكَاهُ أَصْحَابُهُ عَنْ الْجُبَّائِيُّ، وَوَجَدْنَا فِي كِتَابِهِ خِلَافَهُ. وَذَكَرَ الْكَعْبِيُّ فِي جَدَلِهِ " جَوَازَ مُعَارَضَةِ الدَّعْوَى بِالدَّعْوَى.
وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيُّ: الْمُعَارَضَةُ إظْهَارُ عِلَّةٍ مُعَارِضَةٍ لِعِلَّةٍ، أَوْ لِعِلَلٍ، فِي نَقِيضِ مُقْتَضَاهَا. هَذَا أَصْلُ الْبَابِ، وَلَا يَجْرِي إلَّا فِي الظَّنِّيَّاتِ ثُمَّ يُرَجَّحُ أَحَدُ الظَّنَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ. وَكَذَلِكَ الْمُعَارَضَةُ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ كُلِّ اعْتِرَاضٍ قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ فَسَادَ الْوَضْعِ وَالْمَنْعِ لَا يَصْلُحُ عَلَى حِيَالِهِ اقْتِضَاءُ الْحُكْمِ حَتَّى يُعَارَضَ بِهِ. وَإِنَّمَا الْمُعَارَضَةُ حَيْثُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ لَاسْتَقَلَّتْ الْعِلَّةُ فِي نَفْسِهَا أَوْ جِنْسِهَا بِاقْتِضَاءِ الْحُكْمِ لِوُجُودِ أَصْلِ الظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ، وَلَكِنَّ الْمُعَارِضَ مَنَعَ اعْتِبَارَهَا دُونَ تَرْجِيحٍ. فَالْحَرْفُ: الْمُعَارَضَةُ تُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى أَصْلِ الظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ فِي هَذَا الْمَجَالِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَاحْتَجَّ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ عَلَى عِلَّةِ صِحَّةِ الْحِجَاجِ بِالْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَهَا عَلَى الْكُفَّارِ فَقَالَ: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} [الإسراء: ٤٢] يَعْنِي أَنَّ بُطْلَانَ الْوُصُولِ إلَى ذِي الْعَرْشِ عِلَّةُ عَجْزِهِمْ، وَمَنْ صَحَّ عَجْزُهُ ثَبَتَ نَقْصُهُ وَاسْتَحَالَ وَصْفُهُ بِمَا وَصَفْتُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute