للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجِدُ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ فَلَا يُنَاظِرُ، أَوْ يَقْدِرُ أَنْ يَحْتَالَ عَلَى خَصْمِهِ مِنْ أَنْ يُظْهِرَ الِانْقِطَاعَ أَوْ الْعَجْزَ عَنْ الْجَوَابِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ غَبِيٌّ. وَلْيَحْذَرْ الْمُجِيبُ تَكْرَارَ اللَّفْظِ الْمُخْتَلِفِ عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ، فَرُبَّمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ زِيَادَةً.

(قَالَ) : وَمَا رَأَيْت أَحْسَنَ مِنْ صَبْرِ الْخَصْمِ عَلَى الْخَصْمِ حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ هَذَيَانِهِ قَالَ لَهُ: لَمْ أَفْهَمْ مَا كُنْت فِيهِ فَأَعِدْ عَلَيَّ كَلَامَك فِي مَهْلٍ وَأَرِنِي مَوْضِعَ النُّكْتَةِ لِأَفْهَمَهَا عَنْك وَأُفْهِمَك الْجَوَابَ، فَهَذَا أَقْطَعُ مِنْ الْحَدِيدِ لِلْخُصُومِ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَسْتَصْغِرَ خَصْمًا، فَإِنْ اسْتَصْغَرْته فَالْوَجْهُ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ، فَلَرُبَّمَا هَجَمَ مِنْ اسْتِصْغَارِهِ الِانْقِطَاعُ لِقِلَّةِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ، فَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ مُشَاهَدَةً. وَإِنْ كُنْت فِي مَحْفِلٍ فِيهِ عَامَّةٌ فَمَتَى ذَهَبْتَ تُرَاعِيهِمْ بَطَلَ مَا يَحْتَاجُ إلَى تَدَبُّرِهِ وَتَفَهُّمِهِ، وَلَا يَغُرَّنَّكَ مَيْلُ بَعْضِ النَّاسِ إلَى الْخَصْمِ، أَوْ تَفْضِيلُ الْعَامَّةِ لِصِيَاحِ الْخَصْمِ فَالْعَمَلُ عَلَى أَهْلِ التَّمْيِيزِ. وَمَتَى سَبَقَتْ مِنْك كَلِمَةٌ لَيْسَتْ بِصَوَابٍ فَلَا تَقِفْ عَلَيْهَا وَاعْتَرِفْ بِهَا، فَإِنَّهَا سَبْقُ لِسَانٍ، فَإِنَّك إنْ أَخَذْت فِي تَصْحِيحِهَا ذَهَبَ عَنْك صَحِيحُ الْكَلَامِ. وَاعْتَرِفْ بِالْحَقِّ إذَا وَضَحَ، فَإِنْ لَمْ يُضَحْ فَالْزَمْ بِالْبُرْهَانِ، فَإِنَّهُ عَسِرٌ جِدًّا. وَامْنَعْ خَصْمَك مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَى غَيْرِك إذَا كَانَ مُنَاظِرًا وَاسْتَعْمِلْ مِثْلَهُ مَعَهُ وَلَا يَكُنْ هَمُّك إلَّا مَا قَامَ بِهِ مَذْهَبُك وَلَا تَشْتَغِلْ بِسِوَاهُ. وَلَا يَعْطِفَنَّكَ أُنَاسٌ مِنْ خَاطِرٍ، فَرُبَّمَا بَانَ وَجَاءَ وَأَنْتَ فِي حَالِ الْفِكْرِ وَهَذَا عَلَامَةُ الطَّبْعِ الْجَيِّدِ. وَلَا تَتَكَلَّمْ فِي مَوْضِعِ الْعَصَبِيَّةِ عَلَيْك، أَوْ فِي مَجْلِسٍ تَخَافُ مِنْهُ صَاحِبَهُ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْفِكْرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>