للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ تَبَايُنَ الْحَقَائِقِ: إنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَمُعْظَمِ الْأُصُولِيِّينَ. قَالَ: وَأَنْكَرَ الْقَاضِي إطْلَاقَ هَذَا، وَقَالَ: لَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ، إذْ لَا يَحْسُنُ تَسْمِيَةُ الْوُجُوبِ جَوَازًا، وَتَسْمِيَةُ الْوَاجِبِ جَائِزًا، وَالْأَحْكَامِ مَضْبُوطَةً. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ: وَلَا يَتَحَقَّقُ خِلَافٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ حَقِيقَةُ الْجَائِزِ أَوْ الْمُبَاحِ حَقِيقَةُ الْوَاجِبِ، وَغَرَضُ الْخَصْمِ أَنَّ مَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ وَيَقْتَضِي اللُّزُومَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى فِعْلِهِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ مَا يُحَرِّضُ عَلَى فِعْلِهِ أَنْ يَجُوزَ لَك الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ غَيْرَ أَنَّ غَرَضَ الْمُوجِبِ الْإِلْزَامُ، وَالْبَاقِي يَقَعُ ضِمْنًا وَلَكِنْ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ وَالْجَوَازِ، وَالْمَحْكِيُّ قَصْرُ الْخِلَافِ عَلَى الْجَوَازِ.

إذَا عَرَفْت هَذَا فَلَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ فِي شَيْءٍ، ثُمَّ نُسِخَ الْوُجُوبُ. فَهَلْ يَبْقَى الْجَوَازُ أَمْ لَا؟ ، فِيهِ مَذَاهِبُ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَبْقَى الْجَوَازُ وَاخْتَارَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، وَصَاحِبُ " الْمَحْصُولِ " وَتَابَعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ لِلْأَكْثَرِينَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَى الْحَظْرِ. حَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ. الثَّالِثُ: يَبْقَى النَّدْبُ حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي " الْمُعْتَمَدِ ". قَالَ: وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ، فَإِنَّ صِيَامَ عَاشُورَاءَ لَمَّا نُسِخَ بَقِيَ صِيَامُهُ مُسْتَحَبًّا، وَلَمَّا نُسِخَ فَرْضُ قِيَامِ اللَّيْلِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بَقِيَ مُسْتَحَبًّا، وَكَذَلِكَ الضِّيَافَةُ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ كُلُّ حَقٍّ كَانَ فِي الْمَالِ بِالزَّكَاةِ، وَبَقِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>