قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ فِي نَفْسِهِ حُجَّةٌ وَحْدَهُ؟ قِيلَ: اجْتَذَبَ الْمَسْأَلَةَ وَجْهَانِ مِنْ الْقِيَاسِ قَوِيٌّ وَضَعِيفٌ، فَقَوِيَ الْقِيَاسُ الضَّعِيفُ بِقَوْلِ عُثْمَانَ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَرَكَ أَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ الْقِيَاسَانِ عَنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ كَانَ إمَّا أَنْ يَتَسَاوَيَا فَيَسْقُطَا، أَوْ يَصِحُّ أَحَدُهُمَا فَيَبْطُلُ الْآخَرُ. وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَعَ الصَّحِيحِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ لَهُ. قِيلَ لَهُ: إنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي ظَهَرَ خِلَافُهُ كَمَا نَقُولُ: إنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إذَا انْتَشَرَ قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ أَقْوَى مِنْ قَوْلِ مَنْ لَمْ يُنْشَرْ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ فَكَانَ أَدْوَنُ هَذِهِ الْمَنَازِلِ إذَا عَضَّدَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ مُلْحَقَةً بِمَنْزِلَةِ الشَّبَهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّبَهُ لَوْ انْفَرَدَ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً. فَأَمَّا أَوْلَى الْقِيَاسَيْنِ فَلَا يَسْلَمُ مِنْ مُعَارَضَةِ مَا تَبْطُلُ مَعَهُ دَلَالَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ الَّذِي لَا مُخَالِفَ لَهُ مُقْتَرِنًا بِالشَّبَهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ فِي الدَّلَائِلِ ": مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَّةٍ، أَنَّهُ إذَا تَجَاذَبَ الْمَسْأَلَةُ أَصْلَانِ مُحْتَمَلَانِ يُوَافِقُ أَحَدُهُمَا قَوْلَ الصَّحَابِيِّ، فَيَكُونُ الدَّلِيلُ الَّذِي مَعَهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ أَوْلَى فِي هَذَا عَلَى التَّقْوِيَةِ وَأَنَّهُ أَقْوَى الْمَذْهَبَيْنِ فَلَا يُغْلَطُ عَلَى الشَّافِعِيِّ. هَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ تَقْلِيدَهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مَا يُخَالِفُهُ وَيُعَضِّدُهُ ضَرْبٌ مِنْ الْقِيَاسِ. وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُقَوٍّ لِلْقِيَاسِ وَمُغَلِّبٌ لَهُ كَمَا يُغَلَّبُ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ. وَظَاهِرُ نَصِّ الرِّسَالَةِ الْمَذْكُورَةِ يَقْتَضِي تَسَاوِي الْقِيَاسَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قِيَاسٍ وَقِيَاسٍ.
نَعَمْ، قَوْلُهُ: وَلَا شَيْئًا فِي مَعْنَاهُ يَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِهِ ظَاهِرٌ فِي تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ مُسْتَنَدُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ: الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ. وَلَمَّا حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ " الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: الْقَوْلَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قِيَاسٌ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَ مَعَ قَوْلِهِ قِيَاسٌ ضَعِيفٌ فَقَوْلُهُ مَعَهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ وَجَمَاعَةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدِي، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ لِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ بِانْفِرَادِهِ، وَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ الضَّعِيفُ، فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute