الْعُيُوبِ أَنَّ الْحَيَوَانَ يُفَارِقُهُ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّهُ يُغْتَذَى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَتَحَوُّلِ طَبَائِعِهِ، وَقَلَّمَا يَخْلُو مِنْ عَيْبٍ وَإِنْ خَفِيَ فَلَا يُمْكِنُ الْإِخْبَارُ عَنْ عُيُوبِهِ الْخَفِيَّةِ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَالْوُقُوفُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرَ الْحَيَوَانِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَخْلُو مِنْ الْعُيُوبِ وَيُمْكِنُ الْإِخْبَارُ فِيهَا بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا لِظُهُورِهَا، فَدَلَّ عَلَى افْتِرَاقِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، مَعَ مَا رُوِيَ مَعَهُ مِنْ قِصَّةِ عُثْمَانَ. وَحَاصِلُهُ - عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَدِيدِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - أَنَّ الْقِيَاسَ الْمَرْجُوحَ إذَا اعْتَضَدَ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الْقِيَاسِ الرَّاجِحِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْرِيعًا مِنْهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي " الرِّسَالَةِ الْجَدِيدَةِ " وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الَّذِي اشْتَهَرَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَنْ الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْقَاضِي فِي " التَّقْرِيبِ " لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَحَكَى خِلَافَ الْقِيَاسِ، وَأَنَّهُ هَلْ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ بِذَلِكَ الْقِيَاسِ الضَّعِيفِ عَلَى الْقِيَاسِ الْقَوِيِّ، أَوْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ؟ ثُمَّ رَجَّحَ هَذَا الثَّانِي.
مَسْأَلَةٌ فَإِنْ قَالَ التَّابِعِيُّ قَوْلًا لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ لَمْ يَلْتَحِقْ بِالصَّحَابِيِّ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلسَّمْعَانِيِّ كَمَا سَبَقَ. قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ: " مَنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَغَمَسَ يَدَهُ فِي إنَاءٍ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ [إلَى] زَوَالِ طَهُورِيَّتِهِ، وَهُوَ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ. وَالتَّابِعِيُّ إذَا قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ كَانَ حُجَّةً، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَالَ تَوْقِيفًا عَنْ الصَّحَابَةِ، أَوْ عَنْ نَصٍّ ثَبَتَ عِنْدَهُ. قَالَ صَاحِبُ الْمُسَوَّدَةِ ": وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ، بَلْ يُجْعَلُ كَمُجْتَهَدَاتِهِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute