للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ» . انْتَهَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَسَدُّ الذَّرَائِعِ ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَخَالَفَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ تَأْصِيلًا، وَعَمِلُوا عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ فُرُوعِهِمْ تَفْصِيلًا، ثُمَّ حَرَّرَ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّ مَا يُفْضِي إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ إمَّا أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ الْوُقُوعُ قَطْعًا أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، بَلْ مِنْ بَابِ مَا لَا خَلَاصَ مِنْ الْحَرَامِ إلَّا بِاجْتِنَابِهِ فَفِعْلُهُ حَرَامٌ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَاَلَّذِي لَا يَلْزَمُ إمَّا أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْمَحْظُورِ غَالِبًا أَوْ يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا أَوْ يَتَسَاوَى الْأَمْرَانِ وَهُوَ الْمُسَمَّى ب " الذَّرَائِعِ " عِنْدَنَا: فَالْأَوَّلُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُرَاعِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُرَاعِيهِ، وَرُبَّمَا يُسَمِّيهِ التُّهْمَةَ الْبَعِيدَةَ وَالذَّرَائِعَ الضَّعِيفَةَ. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ قَوْلُ الْقَرَافِيِّ فِي الْقَوَاعِدِ ": إنَّ مَالِكًا لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ بِهَا، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمَالِكِيَّةِ بِهَا إلَّا مِنْ حَيْثُ زِيَادَتُهُ فِيهَا. قَالَ: فَإِنَّ مِنْ الذَّرَائِعِ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا، كَالْمَنْعِ مِنْ حَفْرِ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي طَعَامِهِمْ، وَسَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمْ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ. وَ (مِنْهَا) مَا هُوَ مَلْغِيٌّ إجْمَاعًا، كَزِرَاعَةِ الْعِنَبِ، فَإِنَّهَا لَا تُمْنَعُ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً إلَى الْمُحَرَّمِ، وَ (مِنْهَا) مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، كَبُيُوعِ الْآجَالِ، فَنَحْنُ نَعْتَبِرُ الذَّرِيعَةَ فِيهَا وَخَالَفَنَا غَيْرُنَا. فَحَاصِلُ الْقَضِيَّةِ أَنَّا قُلْنَا بِسَدِّ الذَّرَائِعِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِنَا، لَا أَنَّهَا خَاصَّةٌ. قَالَ: وَبِهَذَا نَعْلَمُ بُطْلَانَ اسْتِدْلَالِ أَصْحَابِنَا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا} [الأنعام: ١٠٨] وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: ٦٥] فَقَدْ ذَمُّهُمْ بِكَوْنِهِمْ تَذَرَّعُوا لِلصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ الْمُحَرَّمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>