وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلِأَنَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى تَأْجِيلِ الشُّفْعَةِ فِي قَرِيبٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَجَعَلَهُ هُوَ مُقَدَّرًا بِثَلَاثَةٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: ٦٥] فَهِيَ حَدُّ الْقُرْبِ، وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ مَضْرُوبَةٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَفِي مَقَامِ الْمُسَافِرِ، وَفِي أَكْثَرِ مُدَّةِ الْمَسْحِ - وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْبَوَاقِي، فَإِنَّهُ اسْتَحْسَنَ مَرَاسِيلَ سَعِيدٍ، لِأَنَّهُ وَجَدَهَا مُسْنَدَةً وَأَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ حَيْثُ قَالَ بِهِ كَانَ لِدَلِيلٍ، لَا بِاعْتِبَارِ مَيْلِ النَّفْسِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: وَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يُسْتَحْسَنَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ إلَّا مِنْ بَابِ الْمُمَاثَلَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ إلَى الْأُولَى وَإِنَّمَا الْمَذْمُومُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الَّذِي يُحَدِّثُهُ الْإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا مِثَالٍ، كَمَا فِي إيجَابِ الْحَدِّ بِشُهُودِ الزَّوَايَا قُلْت: لَكِنْ رَأَيْت فِي سُنَنِ الشَّافِعِيِّ " الَّتِي يَرْوِيهَا الْمُزَنِيّ عَنْهُ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: سَمِعْت الْمُزَنِيّ يَقُولُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا عَلِمَ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ فَأَكْثَرُ مَا يَجُوزُ لَهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ فِي ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ، فَإِذَا كَانَ فِي ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ لَمْ يَجُزْ طَلَبُهُ هَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنِّي وَلَيْسَ بِأَصْلٍ انْتَهَى وَالْمُشْكَلُ فِيهِ قَوْلُهُ: " وَلَيْسَ بِأَصْلٍ " وَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ بِأَصْلٍ خَاصٍّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، لَا نَفْيِ الدَّلِيلِ أَلْبَتَّةَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ بِرَأْسِ الْمُحْرِمِ هَوَامُّ فَنَحَّاهَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ؟ ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ قُلْت مَا قُلْت قَالَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ " وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ ": هَذَا مِنْ قَبِيلِ اسْتِحْسَانِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْسَانٌ، فَإِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ قُلْت: لَيْسَ هَذَا مِنْ الِاسْتِحْسَانِ، بَلْ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنِّي لَا أَذْكُرُ دَلِيلَ مَا قُلْتُهُ لِأَجْلِهِ، لَا أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ بِهَوَى نَفْسِهِ وَقَدْ وَقَعَ الِاسْتِحْسَانُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى: (مِنْهَا) : قَالَ: وَحَسَنٌ أَنْ يَضَعَ الْمُؤَذِّنُ إصْبَعَهُ فِي أُذُنَيْهِ، لِأَنَّ حَدِيثَ بِلَالٍ اشْتَمَلَ عَلَى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute