للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يُحَرِّمْ الْأَصْحَابُ خِطْبَةَ النِّكَاحِ عَلَى الْمُحْرِمِ مَعَ أَنَّهَا مُقَارِنَةٌ لِلنِّكَاحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يَخْطُبُ» قَالَ صَاحِبُ الْوَافِي ": وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ وَجْهٌ أَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ الْحُكْمِ لِشَيْءٍ ثَبَتَ لِقَرِينِهِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ قَائِلَهُ يُحَرِّمُ الْخِطْبَةَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِلْقَرِينِ إلَّا بِأَنْ يُسَاوِيَهُ فِي اللَّفْظِ أَوْ يُشَارِكَهُ فِي الْعِلَّةِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا مُفَارَقَةَ الْخِطْبَةِ لِلْعَقْدِ وَهَكَذَا إذَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ ثُمَّ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمٌ بِالْإِجْمَاعِ، لَمْ يَثْبُتْ أَيْضًا لِلْآخَرِ ذَلِكَ الْحُكْمُ إلَّا بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّسْوِيَةِ، كَاسْتِدْلَالِ الْمُخَالِفِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ، بَلْ يَجُوزُ بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ بِقَوْلِهِ: «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ» فَقَرَنَ بَيْنَ الْحَتِّ وَالْقَرْصِ وَالْغَسْلِ بِالْمَاءِ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْحَتَّ وَالْقَرْصَ لَا يَجِبَانِ، فَكَذَلِكَ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَوِّي الْقَوْلَ بِهِ إذَا وَقَعَتْ حَادِثَةٌ لَا نَصَّ فِيهَا، كَانَ رَدُّهَا إلَى مَا قُرِنَ مَعَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَوْلَى مِنْ رَدِّهَا إلَى غَيْرِ شَيْءٍ أَصْلًا هَذَا مَا يُمْكِنُ خُرُوجُهُ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا، وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: إذَا عَطَفَ جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ، فَإِنْ كَانَتَا تَامَّتَيْنِ كَانَتْ الْمُشَارَكَةُ فِي أَصْلِ الْحُكْمِ لَا فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَقَدْ لَا يَقْتَضِي مُشَارَكَةً أَصْلًا وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى " وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ "، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} [الشورى: ٢٤] فَإِنْ قَوْلَهُ: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} [الشورى: ٢٤] جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا، وَلَا هِيَ دَاخِلَةٌ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>