ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَكَذَلِكَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَصْرَ خَلَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ، لَا عَنْ مُجْتَهِدٍ فِي مَذْهَبِ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِي هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِغَيْرِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ الِاجْتِهَادُ إلَّا فِيهَا.
مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ جَوَازُ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ مُجْتَهِدًا فِي بَابٍ دُونَ غَيْرِهِ وَعَزَاهُ الْهِنْدِيُّ لِلْأَكْثَرِينَ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ النُّكَتِ " عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ الْعِنَايَةُ بِبَابٍ مِنْ الْأَبْوَابِ الْفِقْهِيَّةِ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَعْرِفَةُ بِمَأْخَذِ أَحْكَامِهِ وَإِذَا حَصَلَتْ الْمَعْرِفَةُ بِالْمَأْخَذِ أَمْكَنَ الِاجْتِهَادُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ بِمَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ فِي بَابٍ دُونَ بَابٍ وَالنَّاظِرُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُشَارَكَةِ تَكْفِيهِ مَعْرِفَةُ أُصُولِ الْفَرَائِضِ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ مَثَلًا وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى الْمَنْعِ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي نَوْعٍ مِنْ الْفِقْهِ رُبَّمَا كَانَ أَصْلُهَا نَوْعًا آخَرَ مِنْهُ، كَتَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ تَحْلِيلَ الْخَمْرِ بِالِاسْتِعْجَالِ، فَلَا تَكْتَمِلُ شَرَائِطُ الِاجْتِهَادِ فِي جُزْءٍ حَتَّى يَسْتَقِلَّ بِالْفُنُونِ كُلِّهَا.
وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ فِي هَذَا أَنَّهُ هَلْ يُعْتَبَرُ خِلَافُ الْأُصُولِيِّ فِي الْفِقْهِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute