للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِوُجُوبِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْبَعْضِ، وَوَهَمَ بَعْضُهُمْ فَحَكَى عَنْ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ، وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي الْقِيَامِ بِهَذَا الْجِنْسِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ عِبَارَةُ الْجُوَيْنِيِّ: " وَلِلْقَائِمِ بِهِ مَزِيَّةٌ "، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَزِيَّةِ الْأَفْضَلِيَّةُ.

عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ مَا يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ، فَفِي " الْأُمِّ ": إنَّ قَطْعَ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الرَّوَاتِبِ مَكْرُوهٌ، إذْ لَا يَحْسُنُ تَرْكُ فَرْضِ الْعَيْنِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَمِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهِ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي " الْإِحْيَاءِ " فِي شُرُوطِ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْخِلَافِ: أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِهِ وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ مَنْ لَمْ يَتَفَرَّغْ عَنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ. قَالَ: وَمَنْ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ فَاشْتَغَلَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَزَعَمَ أَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَقُّ فَهُوَ كَذَّابٌ. وَمِثَالُهُ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِهِ وَتَبَحَّرَ فِي تَحْصِيلِ الثِّيَابِ وَنَسْجِهَا قَصْدًا لِسَتْرِ الْعَوْرَاتِ. اهـ.

وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُخَصِّصُهُ بِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ أَوَّلًا. أَمَّا مَنْ فَعَلَهُ ثَانِيًا فَلَا يَكُونُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلَ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ كُنَّا نُسَمِّي فِعْلَ الْآخَرِينَ فَرْضًا عَلَى رَأْيٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ الزَّمْلَكَانِيِّ: مَا ذَكَرَ مِنْ تَفْضِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَارَضَا فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ تَعَيُّنِهَا وَحِينَئِذٍ هُمَا فَرَضَا عَيْنٍ، وَمَا يَسْقُطُ الْحَرَجُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَارَضَا، وَكَانَ فَرْضُ الْعَيْنِ مُتَعَلِّقًا بِشَخْصٍ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ، فَفَرْضُ الْعَيْنِ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>