عَدَمَ الْحِنْثِ فَخَرَجَ مِنْهُ لِقَوْلِ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْتِزَامِ الْحِنْثِ قَطْعًا.
وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الْقَصْرَ فِي سَفَرٍ جَاوَزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ. وَ (الثَّانِيَةُ) : إذَا رَأَى لِلْقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ دَلِيلًا صَحِيحًا وَلَمْ يَجِدْ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ دَلِيلًا قَوِيًّا عَنْهُ وَلَا مُعَارِضًا رَاجِحًا عَلَيْهِ، فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ التَّقْلِيدِ حِينَئِذٍ
مُحَافَظَةً عَلَى الْعَمَلِ
بِظَاهِرِ الدَّلِيلِ. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ رُجُوعِ الْمُقَلِّدِ عَمَّنْ قَلَّدَهُ فَهُوَ - إنْ صَحَّ - مَحْمُولٌ عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا بَعْدَ أَنْ عَمِلَ بِقَوْلِهِ فِيهَا. وَاعْلَمْ أَنَّا حَيْثُ قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَشَرْطُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ رُجْحَانَ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ الَّذِي قَلَّدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ لِلْعَامِّيِّ ذَلِكَ مُطْلَقًا، إذْ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَيْهِ.
وَلِهَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ: لَوْ أَنَّ عَامِّيًّا شَافِعِيًّا لَمَسَ امْرَأَتَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَقَالَ: عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ الطَّهَارَةُ بِحَالِهَا، لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ بِالِاجْتِهَادِ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا اجْتَهَدَ فِي الْقِبْلَةِ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِهَا لَا يَصِحُّ، قَالَ: وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَرْتَكِبَ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْمَذْهَبِ، كَشُرْبِ الْمُثَلَّثِ، وَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَيَقُولُ: هَذَا جَائِزٌ، وَيَتْرُكُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَيَقُولُ: هَذَا جَائِزٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ. انْتَهَى. وَ (الثَّالِثُ) : أَنَّهُ كَالْعَامِّيِّ الَّذِي لَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا، فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ عَمِلَ فِيهَا بِقَوْلِ إمَامِهِ لَيْسَ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ لَمْ يَعْمَلْ فِيهَا بِقَوْلِهِ فَلَا مَانِعَ فِيهَا مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ.
وَ (الرَّابِعُ) : إنْ كَانَ قَبْلَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ فَلَا يَجِبُ التَّخْصِيصُ بِمَذْهَبٍ، وَإِنْ حَدَثَ وَقَلَّدَ إمَامًا فِي حَادِثَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ تَقْلِيدُهُ فِي الْحَوَادِثِ الَّتِي يُتَوَقَّعُ وُقُوعُهَا فِي حَقِّهِ. وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، لِأَنَّ قَبْلَ تَقْرِيرِ الْمَذَاهِبِ مُمْكِنٌ، وَأَمَّا بَعْدُ فَلَا، لِلْخَبْطِ وَعَدَمِ الضَّبْطِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute