وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ بِكُلِّ رُخْصَةٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي النَّبِيذِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي السَّمَاعِ، وَأَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمُتْعَةِ كَانَ فَاسِقًا. وَخَصَّ الْقَاضِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ التَّفْسِيقَ بِالْمُجْتَهِدِ إذَا لَمْ يُؤَدِّ اجْتِهَادُهُ إلَى الرُّخْصَةِ وَاتَّبَعَهَا، وَبِالْعَامِّيِّ الْمُقْدِمِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ، لِإِخْلَالِهِ بِغَرَضِهِ وَهُوَ التَّقْلِيدُ. فَأَمَّا الْعَامِّيُّ إذَا قَلَّدَ فِي ذَلِكَ فَلَا يُفَسَّقُ، لِأَنَّهُ قَلَّدَ مَنْ يَسُوغُ اجْتِهَادُهُ. وَفِي " فَتَاوَى النَّوَوِيِّ " الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ.
وَقَالَ فِي فَتَاوٍ لَهُ أُخْرَى وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مُقَلِّدِ مَذْهَبٍ: هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَ مَذْهَبِهِ فِي رُخْصَةٍ لِضَرُورَةٍ وَنَحْوِهَا؟ أَجَابَ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِفْتَاءِ إذَا سَأَلَهُ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ تَلَقُّطِ الرُّخَصِ وَلَا تَعَمُّدِ سُؤَالِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَذْهَبَهُ التَّرْخِيصُ فِي ذَلِكَ. وَسُئِلَ أَيْضًا: هَلْ يَجُوزُ أَكْلُ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ شُرْبُهُ تَقْلِيدًا لِمَالِكٍ؟ فَأَجَابَ: لَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ وَلَا شُرْبُهُ إنْ نَقَصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ إذَا كَانَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَعْتَقِدُ نَجَاسَتَهُ. انْتَهَى. وَفِي " أَمَالِي " الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، كَشُرْبِ النَّبِيذِ - مَثَلًا - فَشَرِبَهُ شَخْصٌ وَلَمْ يُقَلِّدْ أَبَا حَنِيفَةَ وَلَا غَيْرَهُ، هَلْ يَأْثَمُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ إضَافَتَهُ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَحَاصِلُ مَا قَالَ إنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ الْمُكَلَّفُ: فَإِنْ كَانَ مِمَّا اشْتَهَرَ تَحْرِيمُهُ فِي الشَّرْعِ أَثِمَ، وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ. انْتَهَى.
وَعَنْ " الْحَاوِي " لِلْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْ النَّبِيذِ مَا لَا يُسْكِرُ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ الْإِبَاحَةَ وَلَا الْحَظْرَ حُدَّ. وَفِي " فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ ": عَامِّيٌّ شَافِعِيٌّ لَمَسَ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَقَالَ: عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ الطَّهَارَةُ بِحَالِهَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّ بِالِاجْتِهَادِ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ اجْتِهَادَهُ، كَمَا إذَا اجْتَهَدَ فِي الْقِبْلَةِ وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَرْتَكِبَ مَحْظُورَاتِ الْمَذَاهِبِ وَشُرْبَ الْمُثَلَّثِ وَالنِّكَاحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute