للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ لِجَمْعِهِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الشَّيْءِ وَنَقِيضِهِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ بَنَاهُ أَبُو هَاشِمٍ عَلَى أَصْلِهِ الْفَاسِدِ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، فَأَصْلُهُ الْفَاسِدُ مِنْ مَنْعِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ.

وَحَاصِلُ الْخِلَافِ: أَنَّ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ هَلْ يَبْقَى مُسْتَمِرًّا أَوْ يَنْقَطِعُ؟ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا لِتَوَسُّطِهَا فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا يَعْصِي بِمَا تَوَرَّطَ بِهِ مِنْ الْعُدْوَانِ السَّابِقِ، وَقَالَ: وَهُوَ مُرْتَبِكٌ فِي الْمَعْصِيَةِ بِحُكْمِ الِاسْتِصْحَابِ مَعَ انْقِطَاعِ تَكْلِيفِ النَّهْيِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ عَاصٍ فِي خُرُوجِهِ وَلَا نَهْيَ عَلَيْهِ فَسُقُوطُ النَّهْيِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَتَعْصِيَتُهُ لِتَسَبُّبِهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، إذْ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَعْصِيَةٌ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَلَا عِقَابٌ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي مَسْأَلَةِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ غَصَبَ مَالًا وَغَابَ بِهِ، ثُمَّ تَابَ وَتَوَجَّهَ رَاجِعًا، وَكَذَا اسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَضَعَّفَهُ الْغَزَالِيُّ لِاعْتِرَافِهِ بِانْتِفَاءِ النَّهْيِ، فَالْمَعْصِيَةُ إلَى مَاذَا تَسْتَنِدُ؟ . وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا مَعْصِيَةَ إلَّا بِفِعْلٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ، وَقَدْ سَلِمَ انْتِفَاءُ تَعَلُّقِ النَّهْيِ بِهِ فَانْتَهَضَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: فِيهِ جِهَتَانِ يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِافْتِرَاغِ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَالنَّهْيُ عَنْ اللُّبْثِ، كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ سَوَاءٌ كَمَا قَالَهُ فِي " الْبُرْهَانِ ": قُلْنَا: مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَا جِهَتَيْنِ لِتَعَذُّرِ الِامْتِثَالِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، فَإِنَّ الِامْتِثَالَ مُمْكِنٌ، وَإِنَّمَا جَاءَ الِاتِّحَادُ مِنْ جِهَةِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ، وَالتَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ لَا خَيْرَ لِلْعَبْدِ فِيهِ، فَلَا يُكَلَّفُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>