للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: الْكَلَامُ هُنَا فِي الْأَمْرِ هُوَ صِيغَةُ " أم ر " لَا فِي صِيغَةِ " افْعَلْ " وَالْأَمْرُ مَقُولٌ عَلَى الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِالْحَقِيقَةِ، وَ " افْعَلْ " يَخْتَصُّ بِالْوُجُوبِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَكُونُ إلَّا إيجَابًا، وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ مُقَيَّدًا لَا مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ لَا فِي الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَهُوَ بَحْثٌ آخَرُ، وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ مُشَكَّكٌ كَالْوُجُودِ وَالْبَيَاضِ، وَأَجَابَ الْقَاضِي مِنْهُمْ بِأَنَّ النَّدْبَ بَعْضُ الْوُجُوبِ فَهُوَ كَدَلَالَةِ الْعَلَمِ عَلَى بَعْضِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَجَازٍ، وَإِنَّمَا الْمَجَازُ دَلَالَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ. قِيلَ: وَالْمَنْدُوبُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ إلَّا أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاجِبِ أَوْلَى أَوْ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ.

ثُمَّ قِيلَ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ، إذْ الْمَنْدُوبُ مَطْلُوبٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ، فَعَلَى هَذَا مَطْلُوبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَلْ اقْتِضَاءُ الشَّرْعِ لِلْمَنْدُوبِ أَمْرٌ حَقِيقَةً أَمْ لَا؟ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ، وَلَهُ فَوَائِدُ: أَحَدُهَا: قَالَ الْمَازِرِيُّ، وَالْإِبْيَارِيُّ: إنَّمَا جَعَلَ الْإِمَامُ الْخِلَافَ لَفْظِيًّا؛ لِتَعَلُّقِهِ بِبَحْثِ اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَفَائِدَتُهَا فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الرَّاوِي: أُمِرْنَا، أَوْ أَمَرَنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>