قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَيُفَارِقُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ سُنَّةَ الْكِفَايَةِ فِي أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يُنَافِيهِ الِاسْتِحْبَابُ فِي حَقِّ مَنْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي سَقَطَ بِهِ الْفَرْضُ، وَالسُّنَّةُ عَلَى الْكِفَايَةِ يُنَافِيهَا الِاسْتِحْبَابُ فِيمَا زَادَ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَى الِاسْتِحْبَابَ، وَهُنَا فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: [الْمَشْهُورُ وُقُوعُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ] . الْمَشْهُورُ وُقُوعُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّاشِيُّ، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ " الْمُعْتَمَدِ " فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ مَا نَصُّهُ: لَمْ نَرَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ سُنَّةً عَلَى الْكِفَايَةِ بِحَالٍ، وَالسُّنَنُ مَعْلُومَةٌ وَيُخَالِفُ الْفَرْضُ حَيْثُ انْقَسَمَ إلَى عَيْنٍ وَكِفَايَةٍ، فَإِنَّ فِي الْكِفَايَةِ فَائِدَةً، وَهِيَ السُّقُوطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَاقِينَ، وَالسُّنَّةُ لَا يَظْهَرُ لَهَا أَثَرٌ فِي كَوْنِهَا عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا إثْمَ فِي تَرْكِهَا فَتَسْقُطُ كَمَنْ تَرَكَ بِفِعْلِ مَنْ فَعَلَ، وَإِنَّمَا هِيَ ثَوَابٌ يَحْصُلُ لَهُ بِالسَّلَامِ مَثَلًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ ثَوَابٌ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ يُوجَدُ مِنْ جِهَةٍ تُسَاوِيهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ جَمَاعَةٌ سُنَّ لَهُمْ تَحِيَّةٌ بِالْمَسْجِدِ، وَلَا تَسْقُطُ سُنَّةُ التَّحِيَّةِ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ بِفِعْلِ الْبَعْضِ؟ وَهَذَا لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مُوَجَّهٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ احْتِيَاطًا؛ لِيَحْصُلَ ذَلِكَ الْفَرْضُ، فَإِذَا فَعَلَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَسَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ، وَالسُّنَّةُ إنَّمَا أُمِرَ بِهَا اسْتِحْبَابًا لِحَظِّ الْمَأْمُورِ فِي تَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ بِمَا لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ. اهـ. الثَّانِيَةُ [سُنَّةُ الْكِفَايَةِ أَهَمُّ مِنْ سُنَّةِ الْعَيْنِ] قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَهَمُّ مِنْ فَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ إسْقَاطِ الْحَرَجِ عَنْ الْكُلِّ، فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ هُنَا فِي سُنَّةِ الْعَيْنِ وَالْكِفَايَةِ، لَكِنْ لَا حَرَجَ هُنَا فَلْيَكُنْ أَفْضَلِيَّةُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ مِنْ جِهَةِ تَحْصِيلِهِ الثَّوَابَ لِلْجَمِيعِ، وَفِيهِ بُعْدٌ كَمَا تَقَدَّمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute