للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُ مُخَاطَبٌ حَالَةَ السُّكْرِ، وَكَذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ عَبْدَانَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِتَكْلِيفِ السَّكْرَانِ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَقَدْ يُدْخِلُونَهُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ كَمَا أَدْخَلَتْهُ طَائِفَةٌ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ.

وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْإِثْمِ عَلَى مَا يَصْدُرُ مِنْهُ حَالَ السُّكْرِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَشَاطٌ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ طَافِحًا أَوْ مُخْتَلِطًا فَمَحَلُّ نَظَرٍ. وَلَعَلَّ الْفُقَهَاءَ لَا يَرَوْنَ الْإِثْمَ، أَوْ لَعَلَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّافِحَ، وَالْأُصُولِيُّونَ يُرِيدُونَ الْمُخْتَلِطَ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ فِيهِمَا تَكْلِيفٌ مَعَ الْغَفْلَةِ.

[الشَّرْطُ] السَّادِسُ الِاخْتِيَارُ

فَيُمْتَنَعُ تَكْلِيفُ الْمُلْجَأِ، وَهُوَ مَنْ لَا يَجِدُ مَنْدُوحَةً عَنْ الْفِعْلِ مَعَ حُضُورِ عَقْلِهِ كَمَنْ يُلْقَى مِنْ شَاهِقٍ فَهُوَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْوُقُوعِ، وَلَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَلَا هُوَ بِفَاعِلٍ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ آلَةٌ مَحْضَةٌ كَالسِّكِّينِ فِي يَدِ الْقَاطِعِ، وَحَرَكَةٌ كَحَرَكَةِ الْمُرْتَعِشِ وَمِثْلُهُ الْمُضْطَرُّ.

وَاتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَى فِعْلٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْفِعْلُ الَّذِي اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَوْقَ الْمُلْجَأِ، وَعِنْدَنَا مِثْلُهُ، كَمَنْ شُدَّ وَثَاقُهُ وَأُلْقِيَ عَلَى شَخْصٍ فَقَتَلَهُ بِثِقَلِهِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ صَرَّحُوا بِتَكْلِيفِهِ، فَقَالُوا: الْمُضْطَرُّ لِأَكْلِ الْمَيْتَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَجِبُ. قَدْ يُوَجَّهُ بِأُصُولِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَيُقَالُ: لَا فِعْلَ لِلْمُضْطَرِّ وَلَا اخْتِيَارَ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ الْإِيجَابُ وَيَكْتَفِي بِصُورَةِ الدَّاعِيَةِ، لَكِنْ جِهَةُ التَّكْلِيفِ فِيهِ سَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي الْمُكْرَهِ.

وَكَذَلِكَ يُمْتَنَعُ تَكْلِيفُ الْمُكْرَهِ وَمَنْ لَا يَجِدُ مَنْدُوحَةً عَنْ الْفِعْلِ إلَّا بِالصَّبْرِ عَلَى إيقَاعِ مَا أُكْرِهَ بِهِ، كَمَنْ قَالَ لَهُ قَادِرٌ عَلَى مَا يَتَوَعَّدُ: اُقْتُلْ زَيْدًا وَإِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>