الْخَلَلُ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَأَمَّا التَّكْلِيفُ بِالْمُحَالِ فَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ الْخَلَلُ إلَى الْمَأْمُورِ نَفْسِهِ، كَتَكْلِيفِ الْمَيِّتِ وَالْجَمَادِ وَالْبَهَائِمِ فَلَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِالْإِجْمَاعِ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي " التَّلْخِيصِ " عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
السَّابِعَةُ
تَكَرَّرَ فِي كَلَامِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ التَّمَسُّكُ بِقَضِيَّةِ أَبِي لَهَبٍ وَأَبِي جَهْلٍ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إنَّمَا خَصَّ الْأُصُولِيُّونَ ذِكْرَ أَبِي لَهَبٍ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْكُفَّارِ مِمَّنْ لَمْ يُؤْمِنْ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ، عِلْمُ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَخَبَرُهُ بِذَلِكَ، فَلِهَذَا أَكْثَرُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِذَلِكَ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكُفَّارِ كَأَبِي جَهْلٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ، فَقَدْ صَارَ إيمَانُهُ كَالْمُمْتَنِعِ إيقَاعُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَخَالَفَ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى. وَنَاقَشَ الْقَرَافِيُّ فِي التَّمْثِيلِ بِأَبِي لَهَبٍ، وَقَالَ: إنَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ بِعَدَمِ إيمَانِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: ١] وَلَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّ التَّبَّ هُوَ الْخُسْرَانُ، وَقَدْ يَخْسَرُ الْإِنْسَانُ، وَيَدْخُلُ النَّارَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ لِمَعَاصِيهِ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٦] فَمَخْصُوصَةٌ وَلِذَلِكَ أَنْكَرَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَفْسِيرِهِ صِحَّتَهَا وَقَالَ: هَذَا لَا يَثْبُتُ وَلَا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَلَا فِي الْخَبَرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَا يُؤْمِنُ وَكَلَّفَهُ بِالْإِيمَانِ بِأَنْ لَا يُؤْمِنَ، وَقَالَ: إنَّمَا يَنْبَغِي التَّمْثِيلُ بِقَضِيَّةِ ثَعْلَبَةَ فَإِنَّهُ عَاهَدَ اللَّهَ إنْ وَسَّعَ عَلَيْهِ لِيَتَصَدَّقَ، فَلَمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ وَجَاءَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute