حَتَّى لَوْ قَالَ: أَنَا جَائِعٌ يُسْمَعُ مِنْهُ وَيُطْعَمُ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَصَّلَ فَقَالَ: وَالْأَعْذَارُ الْمُسْقِطَةُ لِلْوُجُوبِ بَعْدَ الْبُلُوغِ تِسْعَةٌ: جُنُونٌ وَنَوْمٌ وَإِغْمَاءٌ وَنِسْيَانٌ وَخَطَأٌ وَإِكْرَاهٌ وَجَهْلٌ بِأَسْبَابِ الْوُجُوبِ وَحَيْضٌ وَرِقٌّ.
فَالْجُنُونُ رَآهُ أَبُو حَنِيفَةَ شَبِيهًا بِالصَّبِيِّ فِي عَدَمِ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ مِنْ أَصْلِهِ، وَالصَّبِيُّ فِي كَمَالِهِ، وَأَلْحَقَهُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالصِّبَا يَمْنَعُ وُجُوبَ حُقُوقِ اللَّهِ كُلِّهَا مَالِيِّهَا وَبَدَنِيِّهَا، وَعِنْدَنَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ.
وَالسَّفَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَاتِ إجْمَاعًا وَفِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّمِ، وَيُؤَثِّرُ فِي التَّصَرُّفَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالنَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ يَمْنَعَانِ اسْتِكْمَالَ الْعَقْلِ، فَلَمْ نَعْتَبِرْ النَّوْمَ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ، وَفِي الْعِبَادَةِ كَلَامٌ.
وَالسُّكْرُ وَإِنْ شَابَهَ الْإِغْمَاءَ فِي الصُّورَةِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ صَارَ السَّكْرَانُ كَالصَّاحِي وَمَا يَقْتَضِي النِّسْيَانَ وَالْإِكْرَاهَ وَالرِّقَّ عُذْرٌ يُسْتَقْصَى فِي الْفِقْهِ.
وَالْكُفْرُ لَيْسَ مُسْقِطًا لِلْخِطَابِ عِنْدَنَا وَلَكِنَّ الشَّرْعَ رَخَّصَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ بِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَرَخَّصَ بِإِسْقَاطِ ضَمَانِ الْمُتْلِفَاتِ، وَرَخَّصَ تَصْحِيحُ أَنْكِحَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ كَثِيرًا مِمَّا يُخَالِفُ وَضْعَ الشَّرْعِ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي الْفِقْهِ. فَهَذَا مَجْمُوعُ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ رَجَّحَ سَبَبًا عَلَى سَبَبٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute