أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّ الْإِعْجَازَ إنَّمَا يَقَعُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ وَذَلِكَ قَدْرُ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ، لِأَنَّ الْآيَةَ تَامَّةٌ مِنْ جِنْسٍ لَهُ فِيهِ إعْجَازٌ، فَأَشْبَهَ الثَّلَاثَ. عَلَى أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْإِعْجَازَ مُمْكِنٌ بِالسُّورَةِ، فَإِنَّ الْبُلَغَاءَ مِنْ الْعَرَبِ قَدْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ، فِي " الْأَبْكَارِ ": الْتَزَمَ الْقَاضِي فِي أَحَدِ جَوَابَيْهِ الْإِعْجَازَ فِي سُورَةِ الْكَوْثَرِ وَأَمْثَالِهَا تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: ٣٨] وَالْأَصَحُّ: مَا ارْتَضَاهُ فِي الْجَوَابِ الْآخَرِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ التَّحَدِّيَ إنَّمَا وَقَعَ بِسُورَةٍ تَبْلُغُ فِي الطُّولِ مَبْلَغًا يَتَبَيَّنُ فِيهِ رُتَبُ ذَوِي الْبَلَاغَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَصْدُرُ مِنْ غَيْرِ الْبَلِيغِ أَوْ مِمَّنْ هُوَ أَدْنَى فِي الْبَلَاغَةِ مِنْ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ مَا يُمَاثِلُ بَعْضَ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ الصَّادِرِ عَمَّنْ هُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ، وَرُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ ضَبْطُ الْكَلَامِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ تَفَاوُتُ الْبُلَغَاءِ، بَلْ إنَّمَا ضَبَطَ بِالْمُتَعَارَفِ الْمَعْلُومِ بَيْنَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالْبَلَاغَةِ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: مَا ذَكَرْنَاهُ إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: ٣٨] غَيْرَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ بِالدَّلِيلِ وَاجِبٌ، فَإِنْ حُمِلَ التَّحَدِّي عَلَى مَا لَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ بَلَاغَةُ الْبُلَغَاءِ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ التَّعْجِيزُ يَكُونُ مُمْتَنِعًا. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute