لِأَنَّا نَقُولُ: الْمَقْصُودُ بِهِ تَفْهِيمُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ، وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَقَدْ فَهِمُوهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَنْ يُخَاطِبُ الْعُقَلَاءَ بِكَلَامٍ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِمَا يَفْهَمُ الصِّبْيَانُ وَالْعَوَامُّ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَارِفِينَ بَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْهَمْ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْفَهْمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] .
وَأَمَّا الْحُرُوفُ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا، فَقِيلَ: إنَّمَا أَسْمَاءٌ لِلسُّوَرِ.
وَقِيلَ: ذَكَرَهَا اللَّهُ لِجَمْعِ دَوَاعِي الْعَرَبِ إلَى الِاسْتِمَاعِ، لِأَنَّهَا تُخَالِفُ عَادَتَهُمْ فَتُوقِظُهُمْ عَنْ الْغَفْلَةِ حَتَّى تَصْرِفَ قُلُوبَهُمْ إلَى الْإِصْغَاءِ، فَلَمْ يَذْكُرْهَا لِإِرَادَةِ مَعْنًى.
وَقِيلَ: إنَّمَا ذَكَرَهَا كِنَايَةً عَنْ سَائِرِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي لَا يَخْرُجْ عَنْهَا جَمِيعُ كَلَامِ الْعَرَبِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ يُخَاطِبُهُمْ إلَّا بِلُغَاتِهِمْ وَحُرُوفِهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا مَأْخُوذٌ مِنْهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَالْكَافُ مِنْ كَافٍ، وَالْهَاءُ، مِنْ هَادٍ، وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ، وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ: أَنَا كَافِيك وَهَادِيك.
وَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ هَذِهِ الْأَحْرُفَ إبْطَالًا لِحِسَابِ الْيَهُودِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَحْسِبُونَ هَذِهِ الْأَحْرُفَ حَالَةَ نُزُولِهَا وَيَرُدُّونَهَا إلَى حِسَابِ الْجُمَّلِ، وَيَقُولُونَ: إنَّ مُنْتَهَى دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ كَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَحْرُفَ تَخْبِيطًا لِلْحِسَابِ عَلَيْهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute