للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَقَدْ يَكُونُ نَصًّا بِوَضْعِ اللُّغَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْقَرِينَةِ، وَقِيلَ: مَا اسْتَوَى ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ، وَأَشَارَ بِالْبَاطِنِ إلَى الْمَفْهُومِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لِلَّفْظِ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي " الْمُعْتَمَدِ ": قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَدِّ النَّصِّ: إنَّهُ خِطَابٌ يُعْلَمُ مَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ الْحُكْمِ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، أَوْ عُلِمَ الْمُرَادُ بِهِ بِغَيْرِهِ، وَلَا يُسَمَّى الْمُجْمَلُ نَصًّا، وَبِهَذِهِ حَدَّهُ الْكَرْخِيّ. وَذَكَرَ عَبْدُ الْجَبَّارِ أَنَّ النَّصَّ هُوَ خِطَابٌ يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ الْمُرَادُ بِهِ. وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: أَنْ يَتَكَوَّنَ لَفْظًا، وَأَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا مَا هُوَ نَصٌّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَصًّا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ مَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ نَصًّا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ مَا سِوَاهَا. وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ إفَادَتُهُ لِمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُهُ غَيْرَ مُحْتَمَلٍ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ: النَّصُّ فِي عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ: اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ، كَقَوْلِك: أَعْطِ زَيْدًا أَوْ خُذْ مِنْ عَمْرٍو، وَافْعَلْ أَنْتَ وَنَحْوَهُ، وَمِنْهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بُرْدَةَ: وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» . وَأَصْلُهُ الظُّهُورُ. قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: لَا لَفْظَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إلَّا وَأَصْلُهُ التَّخْصِيصُ، وَذَهَبَ هَذَا الْقَائِلُ إلَى أَنَّ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا نُصُوصٌ، عُمُومًا كَانَ أَوْ ظَاهِرًا، وَزَعَمَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِي بُرْدَةَ: " يُجْزِئُكَ " جَوَازُ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ فِي مَعْنَاهُ. قَالَ: وَهَذَا لَا يَنْفِي الْأَوَّلَ، لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي غَيْرِ النَّصِّ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>