بِكَمَالِهَا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ إلَّا إذَا ابْتَدَأَهَا بِالْبَسْمَلَةِ سِوَى بَرَاءَةٍ، لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ فِيهَا.
وَضَعَّفَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا قُرْآنٌ عَلَى الْقَطْعِ.
قَالَ الْإِمَامُ: هَذِهِ غَبَاوَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَائِلِهِ، لِأَنَّ ادِّعَاءَ الْعِلْمِ حَيْثُ لَا قَاطِعَ مُحَالٌ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: هِيَ آيَةٌ حُكْمًا لَا قَطْعًا، فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ يُقْبَلُ فِي إثْبَاتِهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِخِلَافِهِ كَسَائِرِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ، إذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ نَافِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ لَكَفَرَ. عَلَى أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ حَكَى وَجْهًا عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ " أَنَّهُ قَالَ بِتَكْفِيرِ جَاحِدِهَا، وَتَفْسِيقِ تَارِكِهَا. وَلَنَا مَسْلَكَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِأَنَّهَا مِنْهُ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَثْبَتُوهَا فِي الْمُصْحَفِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَثْبَتُوا بِهِ سَائِرَ الْقُرْآنِ، وَأَجْمَعُوا. عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كَلَامُ اللَّهِ مَعَ شِدَّةِ اعْتِنَائِهِمْ بِتَجْرِيدِهِ عَمَّا لَيْسَ مِنْهُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقُرْآنِ كَسَائِرِ الْآيِ الْمُكَرَّرَةِ، فِي الشُّعَرَاءِ، وَالرَّحْمَنِ، وَالْمُرْسَلَاتِ. وَأَمَّا الْخِلَافُ فِيهَا، فَإِنَّهُ لَا يَهْتِكُ حُرْمَةَ الْقَطْعِ، فَكَمْ مِنْ حُكْمٍ يَقِينِيٍّ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ. أَمَّا فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَمَا مَبْنَاهُ الْيَقِينُ كَالْحِسِّيَّاتِ فَكَثِيرٌ، وَأَمَّا فِي الْفُرُوعِ فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْمُصِيبَ فِيهَا وَاحِدٌ ذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ. وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَقْطَعُ بِخَطَأِ مُخَالِفِهِ. وَنُقِلَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَرُبَّمَا حَلَفَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ.
وَالْحَقُّ: أَنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ إلَى يَقِينِيَّةٍ وَظَنِّيَّةٍ كَمَا سَبَقَ، لَكِنْ لَمَّا غَلَبَ عَلَى مَسَائِلِ الْخِلَافِ الظَّنُّ ظُنَّ أَنَّ جَمِيعَهَا كَذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا فَصْلُ التَّكْفِيرِ فَلَازِمٌ لَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُكَفِّرُوا الْمُثْبِتِينَ كَمَا يُكَفَّرُ مَنْ زَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute