وَقَالَ إلْكِيَا الطَّبَرِيِّ: مَعْنَى الِاصْطِلَاحِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ اللَّهُ مَقَاصِدَ اللُّغَاتِ، ثُمَّ يَهْجِسُ فِي نَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُنَصِّبَ أَمَارَةً عَلَى مَقْصُودِهِ، فَإِذَا نَصَّبَهَا وَكَرَّرَهَا وَاتَّصَلَتْ الْقَرَائِنُ بِهَا أَفَادَتْ الْعِلْمَ، كَالصَّبِيِّ يَتَلَقَّى مِنْ وَالِدِهِ.
وَالْقَائِلُونَ بِالتَّوْقِيفِ: يَقُولُونَ لَا بُدَّ وَأَنْ يُلْهَمُوا الْأَمَارَاتِ.
قَالَ: وَمَنْ فَهِمَ الْمَسْأَلَةَ وَتَصَوَّرَهَا لَا يُحِيلُ تَصْوِيرَهَا، نَعَمْ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُ الْعَالَمِينَ عَلَى أَمَارَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّوَاعِي، فَإِنْ عُنِيَ بِالِاصْطِلَاحِ هَذَا فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ عُنِيَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا، وَإِذَا تَعَارَضَ الْإِمْكَانَاتُ تَوَقَّفَ عَلَى السَّمْعِ.
وَالرَّابِعِ: أَنَّ بَعْضَهُ مِنْ اللَّهِ وَبَعْضَهُ مِنْ النَّاسِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ الْبُدَاءَةُ مِنْ اللَّهِ وَالتَّتِمَّةُ مِنْ النَّاسِ؟ وَنَسَبَهُ الْقُرْطُبِيُّ إلَى الْأُسْتَاذِ، وَإِمَّا عَكْسُهُ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْمٌ فَتَصِيرُ الْمَذَاهِبُ خَمْسَةً.
وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأُسْتَاذِ، فَحَكَى الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ عَنْهُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ فِي التَّعْرِيفِ تَوْقِيفِيٌّ، وَالْبَاقِي مُحْتَمَلٌ لِلتَّوَقُّفِ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى فِي الْمَحْصُولِ " عَنْهُ أَنَّ الْبَاقِيَ مُصْطَلَحٌ وَسَبَقَهُ إلَى حِكَايَتِهِ أَيْضًا أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيّ، وَالصَّوَابُ عَنْهُ: الْأَوَّلُ، فَقَدْ رَأَيْته فِي كِتَابِ أُصُولِ الْفِقْهِ " لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَنَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، وَعِبَارَتُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَوْ يَخْلُقَ لَهُمْ عِلْمًا بِمِقْدَارِ مَا يَفْهَمُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لِمَعْنَى الِاصْطِلَاحِ وَالْوُقُوفِ عَلَى التَّسْمِيَةِ، فَإِذَا عَرَفُوهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيهِ تَوْقِيفًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ اصْطِلَاحًا فِيهِمْ، وَلَا طَرِيقَ بَعْدَهُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا كَانَ مِنْهُ فِيهِ إلَّا بِخَبَرِ نَبِيٍّ عَنْهُ. هَذَا لَفْظُهُ، وَكَذَلِكَ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ "، وَالْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute