فِي شَخْصٍ خَاصٍّ اصْطَلَحَ مَعَ صَاحِبِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الشَّيْءِ عَنْ مَوْضُوعِهِ، نَعَمْ يُضَاهِيهَا قَاعِدَةٌ فِي الْفِقْهِ وَهِيَ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَعَلَيْهَا تَتَفَرَّعُ هَذِهِ الْفُرُوعُ، كَمَا بَيَّنْته فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ".
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فَائِدَتُهَا النَّظَرُ فِي جَوَازِ قَلْبِ اللُّغَةِ، فَالْقَائِلُونَ بِالتَّوْقِيفِ يَمْنَعُونَهُ مُطْلَقًا وَالْقَائِلُونَ بِالِاصْطِلَاحِ يُجَوِّزُونَهُ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ الشَّرْعُ مِنْهُ، وَمَتَى لَمْ يَمْنَعْ كَانَ لِلشَّيْءِ اسْمَانِ.
أَحَدُهُمَا: مُتَوَقَّفٌ عَلَيْهِ، وَالْآخَرُ مُتَوَاضَعٌ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا الْمُتَوَقِّفُونَ، فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: اخْتَلَفَتْ إشَارَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَذَهَبَ الْأَزْدِيُّ إلَى التَّجْوِيزِ كَمَذْهَبِ الِاصْطِلَاحِ، وَأَشَارَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْجَلِيلِ الصَّابُونِيُّ إلَى الْمَنْعِ وَجَوَّزَ كَوْنَ التَّوْقِيفِ وَارِدًا عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَقَعَ النُّطْقُ إلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ ": فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ جَعَلَ الْكَلَامَ تَوْقِيفِيًّا جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُقَارِنًا لِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَمَنْ جَعَلَهُ اصْطِلَاحِيًّا جَعَلَ التَّكْلِيفَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْعَقْلِ مُدَّةَ الِاصْطِلَاحِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْكَلَامِ، ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الِاسْمِ دُونَ الْمَعْنَى.
الثَّانِي: أَنَّهُ عُلِّمَ الْأَسْمَاءَ وَمَعَانِيَهَا، إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيمِ عِلْمِ الْأَسْمَاءِ بِلَا مَعَانٍ، لِتَكُونَ الْمَعَانِي هِيَ الْمَقْصُودَةَ، وَالْأَسْمَاءُ دَلَائِلَ عَلَيْهَا، وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْلِيمَ إنَّمَا كَانَ مَقْصُودًا عَلَى أَلْفَاظِ الْأَسْمَاءِ دُونَ مَعَانِيهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَّمَهُ إيَّاهَا بِاللُّغَةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَّمَهُ بِجَمِيعِ اللُّغَاتِ، وَعَلَّمَهَا آدَم وَلَدَهُ فَلَمَّا تَفَرَّقُوا تَكَلَّمَ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ بِلِسَانٍ اسْتَسْهَلُوهُ مِنْهَا وَأَلِفُوهُ، ثُمَّ نَسُوا غَيْرَهُ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute