إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ اللُّزُومُ الذِّهْنِيُّ، سَوَاءٌ كَانَ فِي ذِهْنِ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمُتَقَابِلَيْنِ، أَوْ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالْوَضْعِ، وَزَادَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ: " ظَاهِرًا " لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إطْلَاقُ اسْمِ الْيَدِ عَلَى الْقُدْرَةِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْيَدَ لَا تَسْتَلْزِمُ الْقُدْرَةَ قَطْعًا، لِأَنَّ الْيَدَ تَكُونُ شَلَّاءَ بَلْ ظَاهِرًا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ السَّكَّاكِيِّ فِي الْمِفْتَاحِ ": الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ الذِّهْنِيِّ الْبَيِّنُ الْقَرِينَةِ بِحَيْثُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْ فَهْمِهِ إلَى فَهْمِهِ، كَالشَّجَاعَةِ لِلْأَسَدِ، فَإِنَّهَا لَازِمَةٌ ظَاهِرَةٌ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْأَسَدِ لِإِرَادَتِهَا بِخِلَافِ الْبَخَرِ، وَإِنْ كَانَ لَازِمًا لِلْأَسَدِ لَا أَنَّهُ أَخْفَى، فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْأَسَدِ لِإِرَادَتِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي اللَّازِمِ الْخَارِجِيِّ هَلْ يُعْتَبَرُ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ؟ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ إلَى اعْتِبَارِهِ، فَيَسْتَدِلُّونَ بِاللَّفْظِ عَلَى كُلِّ مَا يَلْزَمُ الْمُسَمَّى ذِهْنِيًّا أَوْ خَارِجِيًّا، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ. وَذَهَبَ الْمَنْطِقِيُّونَ وَوَافَقَهُمْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيَّ وَالْبَيْضَاوِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الْفَهْمِ بِدُونِهِ كَمَا فِي الضِّدَّيْنِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ فَهْمٌ فَلَا دَلَالَةَ، وَيَرِدُ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعُ الْمَجَازَاتِ.
وَالْحَقُّ: الْتِفَاتُ هَذَا الْخِلَافِ عَلَى أَصْلٍ سَبَقَ فِي تَفْسِيرِ الدَّلَالَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَنَّهُ مَهْمَا سُمِعَ اللَّفْظُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ فُهِمَ الْمَعْنَى أَمْ لَا، بَلْ يَكْفِي الْفَهْمُ فِي الْجُمْلَةِ؟ وَبِهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ، بَلْ قَدْ تَوَسَّعَ الْبَيَانِيُّونَ فَأَجْرَوْهَا فِيمَا لَا لُزُومَ بَيْنَهُمَا أَصْلًا، لَكِنَّ الْقَرَائِنَ الْخَارِجِيَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute