أَفْرَادِهِ، فَوُضِعَ لِلْحَقِيقَةِ لَا لِذَلِكَ الْفَرْدِ، وَتَارَةً يَضَعُ لِلتَّشَخُّصِ الْخَاصِّ فِي ذِهْنِهِ بِقَيْدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ الَّذِي هُوَ حَاصِلٌ فِي أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ خَارِجِيَّةٍ، فَهَذَا عَلَمُ الْجِنْسِ، وَتَارَةً يَضَعُ لِلشَّخْصِ الْخَارِجِيِّ، فَهُوَ عَلَمُ الشَّخْصِ، وَسُمِّيَ هَذَا عَلَمًا، لِأَنَّ الْوَضْعَ فِيهِ لِلشَّخْصِ، لِيَكُونَ التَّشْخِيصُ لِلْوَضْعِ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ.
وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلَى أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ هُوَ الَّذِي لُوحِظَ فِيهِ خَاصَّةً مِنْ خَوَاصِّ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْعَلَمَ هُوَ الْمَوْضُوعُ لِلْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ التَّشَخُّصِ الذِّهْنِيِّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاصْطِلَاحِ حَتَّى لَا يُمْنَعَ، لِأَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ الْعَلَمَ حَقِيقَتُهُ الْوَضْعُ لِلتَّشَخُّصِ الذِّهْنِيِّ وَالْخَارِجِيِّ، فَاعْتِبَارُ الْوَصْفِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الصَّحِيحُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ. وَعِبَارَةُ سِيبَوَيْهِ تُعْطِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: هَذَا بَابٌ مِنْ الْمَعْرِفَةِ يَكُونُ فِيهِ الِاسْمُ الْخَاصُّ شَائِعًا فِي أُمَّتِهِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا بِهِ مِنْ الْآخَرِ، نَحْوَ قَوْلِك لِلْأَسَدِ أَبُو الْحَارِثِ وَأُسَامَةُ، وَلِلثَّعْلَبِ ثُعَالَةٌ وَأَبُو الْحُصَيْنِ، وَذَكَرَ أَمْثِلَةً. وَفَرَّقَ بَيْنَ أُسَامَةَ وَزَيْدٍ بِأَنَّ زَيْدًا قَدْ عَرَفَهُ الْمُخَاطَبُ بِحِلْيَتِهِ أَوْ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ، وَإِذَا قَالَ أُسَامَةُ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ هَذَا الْأَسَدَ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَيْءٍ قَدْ عَرَفَهُ بِعَيْنِهِ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَعْرِفَتِهِ زَيْدًا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ بِ " هَذَا " الَّذِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أُمَّتِهِ لَهُ هَذَا الِاسْمُ، فَهَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ يُعْطِي مَا قُلْنَا، وَانْظُرْ قَوْلَهُ: يَكُونُ فِيهِ الِاسْمُ خَاصًّا شَائِعًا، فَجَعَلَهُ خَاصًّا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ الْمُشَخِّصَةِ الْمَوْضُوعِ وَشَائِعًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ الْخَارِجِيَّةِ، وَإِلَى قَوْلِهِ: يُرِيدُ هَذَا الْأَسَدَ وَلَا يُرِيدُ إلَى شَيْءٍ قَدْ عَرَفْته، وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَتَّضِحُ أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ مَعْرِفَةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَأَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَالِكٍ: إنَّهُ مَعْرِفَةٌ لَفْظًا وَنَكِرَةٌ مَعْنًى وَأَنَّهُ فِي أُسَامَةَ فِي السِّبَاعِ كَأَسَدٍ مَمْنُوعٌ، وَوَافَقَهُ أَبُو حَيَّانَ عَلَى أَنَّ أُسَامَةَ نَكِرَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا ثَبَتَ، هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ كُلِّيٌّ، لِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ فِي مَفْهُومِهِ كَثِيرُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute