للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالِاصْطِلَاحِيَّةِ، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى هَذَا نَقْلًا، لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَبْقَى زَمَنَيْنِ، وَمَا لَا يَقْبَلُ الْبَقَاءَ لَا يَقْبَلُ التَّحْوِيلَ، وَلَكِنْ لَمَّا وُضِعَ لِشَيْءٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ قَدْ حُوِّلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَنْقُولِ عَنْهُ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُسَمَّى بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَوَّلِ حَقِيقَةً، وَالثَّانِيَ مَجَازًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَجَازُ ثَلَاثُهُ أَقْسَامٍ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ فَهُوَ الْمُرْتَجَلُ، وَإِنْ كَانَ فَإِنْ لَمْ يَحْسُنْ فِيهِ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ فَهُوَ الِاسْتِعَارَةُ، وَإِنْ حَسُنَ ذَلِكَ فَهُوَ مَجَازُ التَّشْبِيهِ، وَفَائِدَةُ الْمُرْتَجَلِ التَّوَسُّعُ فِي الْكَلَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْسَامَ الْأُوَلَ الْمُتَّحِدَةَ الْمَعْنَى نُصُوصٌ، لِأَنَّ لِكُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا فَرْدًا مُعَيَّنًا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَقَوْلُنَا: الْمُتَّحِدَةَ الْمَعْنَى يُخْرِجُ الْعَيْنَ وَالْقُرْءَ، فَإِنَّهَا مُتَبَايِنَةٌ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنُصُوصٍ لِأَجْلِ الِاشْتِرَاكِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعَانِي عَلَى السَّوَاءِ أَيْ: مُتَسَاوِيَانِ فِي الْفَهْمِ، فَلَيْسَ اللَّفْظُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا مَعًا مُشْتَرَكًا وَبِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ مُجْمَلًا، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى بَعْضِهَا أَرْجَحَ فَالطَّرَفُ الرَّاجِحُ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الظُّهُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ، وَقَدْ سَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا نَصًّا لِمُلَاحَظَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَالْمَرْجُوحُ مُؤَوَّلٌ، لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الظُّهُورِ عِنْدَ مُسَاعَدَةِ الدَّلِيلِ، فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>