مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ جِنِّي مِنْ عَقْدِ التَّغَالِيبِ السِّتَّةِ فِي الْقَوْلِ عَلَى مَعْنَى السُّرْعَةِ وَالْخِفَّةِ نَحْوَ الْقَوْلِ وَالْقَلْوِ وَالْوَلْقِ وَالْوَقْلِ وَاللَّوْقِ، وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ عَلَى الشِّدَّةِ كَالْمُلْكِ وَالْكَمَلِ وَاللَّكْمِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ: وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا الِاشْتِقَاقِ الْأَكْبَرِ أَحَدٌ مِنْ النَّحْوِيِّينَ إلَّا أَبَا الْفَتْحِ، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَنَّسُ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ.
قَالَ أَبُو حَيَّانَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا الِاشْتِقَاقَ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ لِعَدَمِ اطِّرَادِهِ. قُلْت: قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فَارِسٍ، وَبَنَى عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْمَقَايِيسَ فِي اللُّغَةِ، فَيَرُدُّ تَرَاكِيبَ الْمَادَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا فِي بَعْضِهَا خَفِيًّا فِي الْبَعْضِ، فَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِ إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى إلَى تَلَطُّفٍ وَاتِّسَاعٍ فِي اللُّغَةِ، وَمَعْرِفَةِ الْمُنَاسَبَاتِ. مِثَالُهُ: مِنْ مَادَّةِ " ص ر ب " تَصْبِرُ وَتَرَبَّصَ وَتَبَصَّرَ، وَالتَّرَاكِيبُ الثَّلَاثَةُ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى التَّأَنِّي نَحْوَ: تَصَبَّرَ عَلَى فُلَانٍ إنَّهُ مُعْسِرٌ ثُمَّ طَالَبَهُ وَ [قَوْلُ الشَّاعِرِ] :
تَرَبَّصْ بِهَا رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّهَا ... تَطْلُقُ يَوْمًا أَوْ يَمُوتُ حَلِيلُهَا
وَمِنْ مَادَّةِ " ع ب ر " عَبَّرَ وَرَبَّعَ وَبَعَرَ وَبَرَعَ وَرَعَبَ، وَهَذِهِ الْمَادَّةُ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الِانْتِقَالِ وَالْمُجَاوَزَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ " ح س د " حَسَدَ، دَحَسَ وَحَدَسَ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى التَّضْيِيقِ، وَالْحَدْسُ جَوْدَةُ الْفِرَاسَةِ وَإِصَابَتُهَا، لِأَنَّ الْحَادِسَ يُضَيِّقُ مَجَالَ الْحُكْمِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ لَهُ مَحْكُومٌ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا الْأَوْسَطُ: فَهُوَ أَنْ تَتَّفِقَ أَكْثَرُ حُرُوفِ الْكَلِمَةِ كَفَلَقَ وَفَلَحَ وَفَلَدَ يَدُلُّ عَلَى الشَّقِّ، وَوَقَعَ هَذَا فِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي مَوَاضِعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute