للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ الشَّرِيشِيِّ: هَذَا الْمِثَالُ غَيْرُ جَيِّدٍ، لِأَنَّ عَيْنَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ الْوَاوُ لَمْ تُحْذَفْ لِأَجْلِ الِاشْتِقَاقِ، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ لِأَجْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَعُودُ عِنْدَ تَحْرِيكِ الْآخَرِ فِيمَا إذَا اتَّصَلَ ضَمِيرُ الِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْمُؤَنَّثِ فِي قَوْلِهَا خَافَا وَخَافُوا وَخَافِي؟ وَلَيْسَ الْكَلَامُ إلَّا فِيمَا حُذِفَ لِأَجْلِ الِاشْتِقَاقِ حَتَّى يَقَعَ بِهِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمُشْتَقِّ وَالْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَأَمَّا الْحَذْفُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، فَلِعِلَّةٍ أُخْرَى بَعْدَ حُصُولِ صُورَةِ الْمُشْتَقِّ. أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَنَا: " خَافَا " قَدْ عَادَ فِيهِ الْمَحْذُوفُ مَعَ بَقَاءِ الْكَلِمَةِ مُشْتَقَّةً مُعَبِّرَةً عَنْ أَصْلِهَا، وَحَقُّ الْأَلِفِ أَنْ تَكُونَ وَاوًا مُتَحَرِّكَةً لِتَقَعَ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَصْدَرِ بِحَرَكَةِ هَذِهِ الْوَاوِ، فَإِنَّهَا فِي الْمَصْدَرِ سَاكِنَةٌ، وَحَقُّهَا أَنْ تَكُونَ فِي الْفِعْلِ مُتَحَرِّكَةٌ، وَلَكِنْ طَرَأَ عَلَيْهَا الِاعْتِلَالُ فَانْقَلَبَتْ أَلِفًا سَاكِنَةً، ثُمَّ حُذِفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ لَا لِلِاشْتِقَاقِ، وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا حُذِفَ لِلِاشْتِقَاقِ.

خَامِسُهَا: نُقْصَانُ الْحَرَكَةِ كَأَبْيَضَ مِنْ الْبَيَاضِ وَأَصْبَحَ مِنْ الصَّبَاحِ، وَنَحْوَ اُطْلُبْ وَاحْذَرْ وَاضْرِبْ، فَإِنَّهُ نَقَصَ مِنْهَا حَرَكَاتُ أَوَائِلِهَا فَإِنَّهَا مُتَحَرِّكَةٌ فِي الْمَصْدَرِ سَاكِنَةٌ فِي الْفِعْلِ.

فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ غَيْرُ مُطَابِقَةٍ، فَإِنَّ فِيهَا أَلِفًا زَائِدَةً فِي أَوَائِلِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ فِيمَا زِيدَ فِيهِ حَرْفٌ وَنَقَصَتْ مِنْهُ حَرَكَةٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَلِفَ الَّتِي فِي أَوَائِلِهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهَا فِي الِاشْتِقَاقِ، فَإِنَّ صُورَةَ الْمُشْتَقِّ حَاصِلَةٌ بِدُونِهَا فِي قَوْلِك: يَا زَيْدُ اضْرِبْ، وَمَا أَشْبَهَهُ، فَالْأَلِفُ سَاقِطَةٌ مَعَ أَنَّ صُورَةَ الْفِعْلِ الْمُشْتَقِّ حَاصِلَةٌ، وَإِنَّمَا يُجَاءُ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ الِابْتِدَاءُ بِهَا لِسُكُونِ أَوَائِلِهَا وَتَعَذُّرِ الِابْتِدَاءِ بِالسَّاكِنِ، وَمَثَّلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ بِ " ضَرْبٍ " الْمَصْدَرُ مِنْ ضَرَبَ الْمَاضِي عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فِي اشْتِقَاقِهِمْ الْمَصْدَرَ مِنْ الْفِعْلِ الْمَاضِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>