وَكَانَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يَقُولُ: مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَنْطِقِيِّينَ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ، حَقِيقَةً أَيْضًا لِقَوْلِهِمْ: إذَا قُلْنَا: كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ، فَمَعْنَاهُ كُلُّ مَا هُوَ إنْسَانٌ فِي الْحَالِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ حَيَوَانٌ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الْحُكْمَ عَلَى مُسَمَّى الْإِنْسَانِ وَمُسَمَّى الْإِنْسَانِ، أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا وُضِعَ لَهُ، لِأَنَّا لَمَّا أَطْلَقْنَا اللَّفْظَ مَا أَرَدْنَا بِهِ إلَّا ذَلِكَ الْمَعْنَى، وَهَذَا مُرَادُنَا بِقَوْلِنَا: إنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ حَقِيقَةٌ، أَيْ: إذَا أُرِيدَ مِنْهُ الْحَالُ الَّتِي فِيهَا كَذَلِكَ وَإِنْ أُطْلِقَ الْإِنْسَانُ مَثَلًا عَلَى النُّطْفَةِ أَوْ الطِّينِ بِاعْتِبَارِ مَا سَيَصِيرُ إلَيْهِ فَهَذَا مَجَازٌ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مُسَمَّى الْإِنْسَانِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسَمَّاهُ، وَكَذَلِكَ إذَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَأُرِيدَ تِلْكَ الْخَارِجَةُ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِيهِ الْخِلَافُ عَنْ ابْنِ سِينَا. [التَّنْبِيهُ] الثَّالِثُ
أَنَّ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ عَنْ ابْنِ سِينَا وَأَبِي هَاشِمٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَرًا، بَيَّنَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ. أَمَّا ابْنُ سِينَا فَلَا يُوجَدُ لَهُ مَوْضُوعٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَا فِي الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يُؤْخَذَ خِلَافُهُ مِنْهُمَا؛. نَعَمْ، قَالَ: إنَّ الِاصْطِلَاحَ فِي عِلْمِ الْمَنْطِقِ أَنَّ قَوْلَنَا: كُلُّ " ج ب " أَنَّا لَا نَعْنِي بِهِ مَا هُوَ " ج " دَائِمًا. أَوْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ " ج " سَوَاءٌ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلُ أَوْ الْحَالُ دَائِمًا أَوْ غَيْرَ دَائِمٍ، فَهَذَا مَا اُصْطُلِحَ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ: الضَّارِبُ مُتَحَرِّكٌ، لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى الضَّارِبِ فِي الْحَالِ، بَلْ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الضَّارِبُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الصِّدْقُ فِي الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ الْحَالِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الِاصْطِلَاحَاتِ لَا مُنَاقَشَةَ فِيهَا.
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute